قالوا: معناه: علمت، وقوله تعالى في سورة (الكهف) حكاية عن قول الخضر-عليه السّلام-: {فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً} قال الأخفش: معناه: كرهنا. هذا؛ والخشية:
أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقّي. والخوف: فزع في القلب تخفّ له الأعضاء، ولخفة الأعضاء سمّي خوفا. {فَزادَهُمْ إِيماناً:} تصديقا بالله، وثقة بوعده. هذا؛ وزاد، يزيد ضد:
نقص، ينقص، يكون لازما، كقولك: زاد المال درهما، ويكون متعديا لمفعولين، كما في الآية التي بين أيدينا، وقولك: زاد الله خالدا خيرا، بمعنى: جزاه الله خيرا، وأما قولك: زاد المال درهما، والبرّ مدّا؛ فدرهما، ومدّا تمييز، ومثله قل في: نقص، فمن المتعدي قوله تعالى:{ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً} ومن اللازم قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ}.
تنبيه: أفادت الآية الكريمة: أن الإيمان يزيد، وينقص، ومثلها قوله تعالى في سورة (الأنفال): {وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً} وكذلك الكفر، والنفاق يزيد، وينقص، قال تعالى في سورة (البقرة): {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً،} قال تعالى في سورة (التوبة): {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ..}. إلخ. انظر شرح الآيتين في محلهما.
ويعضد ذلك قول ابن عمر-رضي الله عنهما-: قلنا: يا رسول الله! الإيمان يزيد، وينقص؟ قال:
«نعم، يزيد؛ حتّى يدخل صاحبه الجنّة، وينقص؛ حتّى يدخل صاحبه النّار». وقال صلّى الله عليه وسلّم:«لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمّة؛ لرجح به». وهذا هو المعتمد إن شاء، وهو مذهب الأشاعرة.
تنبيه-روي: أنا أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد: يا محمد! موعدنا موسم بدر القابل؛ إن شئت. فقال عليه الصلاة، والسّلام: إن شاء الله، فلمّا كان العام القابل خرج في أهل مكة؛ حتّى نزل بمرّ الظهران، فأنزل الله الرّعب في قلبه، كما وعد الله بقوله:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ..}. إلخ، وبدا له أن يرجع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، وقد قدم مكة معتمرا، فسأله أن يذهب إلى المدينة، ويثبّط همم المسلمين، ويخوفهم، وقد التزم له عشرا من الإبل، فخرج نعيم إلى المدينة، فوجد المسلمين يتجهزون للخروج، فقال لهم: أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم إلا الشديد. يريد ما حصل في غزوة أحد من انكسار المسلمين، أفترون أن تخرجوا؛ وقد جمعوا لكم؟! ففتروا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«والّذي نفسي بيده لأخرجنّ، ولو لم يخرج معي أحد!» فخرج المسلمون معه؛ وهم يقولون:{حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ولم يلتفتوا إلى ما قاله نعيم، حتى بلغوا بدرا الصّغرى، وكانت موضع سوق للعرب، يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام، فأقام المسلمون تلك المدة في بدر، وصادفوا الموسم، وباعوا ما كان معهم من التجارات، فربحوا الدرهم درهمين، ولم يأتهم أحد من أهل مكّة. وهذا ما تفيده الآية التالية.
وقال القرطبي-رحمه الله-في قوله تعالى:{وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي: كافينا الله. وروى البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال في قوله تعالى:{الَّذِينَ قالَ لَهُمُ}