للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والخوف: الذّعر، والرعب. وأما التّخوّف؛ فهو التنقّص، كما في قوله تعالى في الآية رقم [٤٧] من سورة (النحل): {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}. يروى: أنّ عمر الفاروق-رضي الله عنه-. قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا التخوّف: التنقّص، قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]

تخوّف الرّحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السّفن

فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس عليكم بديوانكم، لا تضلّوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. وأصل الخوف في الباطن يحصل من توقع مكروه، يقع في المستقبل، وقد أمرنا الله في هذه الآية بأن نخافه، ونخشاه، كما أمر سلفنا الصالح بذلك، ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (البقرة): {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} وقال في سورة (المائدة): {فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ} وقال مخاطبا نبيه وحبيبه صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الأحزاب): {وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ} وخذ ما يلي من قول نبينا، وحبيبنا صلّى الله عليه وسلّم في الخوف:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربّه جلّ، وعلا: أنّه قال:

«وعزّتي لا أجمع على عبدي خوفين، وأمنين، إذا خافني في الدّنيا أمّنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدّنيا؛ أخفته يوم القيامة». رواه ابن حيّان في صحيحه. وعن أبي ذرّ-رضي الله عنه-قال:

قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} حتّى ختمها، ثمّ قال: «إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السّماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع قدم إلاّ ملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله! والله لوددت أنّي شجرة تعضد!».

رواه البخاريّ باختصار، والترمذيّ، إلا أنه قال: «ما فيها موضع أربع أصابع». ورغب النبي صلّى الله عليه وسلّم في البكاء. فخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين غضّت عن محارم الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين خرج منها مثل رأس الذّباب من خشية الله عزّ وجل». رواه الأصبهاني، وانظر التّرغيب والترهيب؛ إن أردت الزيادة.

لذلك كان الخوف من الله شعار المغربين، وقرين المهتدين، وكان بشير النجاة، والأمان الأكبر عند الله، وكان طريقا لهداية القلوب النافرة، وسبيلا لسلوك النفوس الحائرة، من استضاء بنوره؛ وصل، ومن تمسك بحبله؛ رشد، ومن أخذ نفسه به؛ فقد هدي إلى صراط مستقيم. من خاف؛ سلم، ومن أطاع مولاه؛ غنم، ومن خاف ربّه، وخشي ذنبه؛ استقام، واهتدى؛ لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>