{لَقَدْ سَمِعَ..}. إلخ: المعنى: لم يخف عليه ما قالوه، وأنّه سبحانه أعدّ لهم العقاب الشديد، والعذاب الأليم. هذا؛ و: سمع، يسمع من الأفعال الصّوتية، إن تعلّق بالأصوات؛ تعدّى إلى مفعول واحد، وإن تعلق بالذّوات؛ تعدّى إلى اثنين، الثاني منهما جملة فعليّة مصدّرة بمضارع من الأفعال الصّوتية. مثل قولك: سمعت فلانا يقول كذا. وهذا اختيار الفارسيّ.
واختار ابن مالك، ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محل نصب حال؛ إن كان المتقدم معرفة، مثل قولك: سمعت زيدا يقول كذا، وصفة إن كان نكرة، مثل قولك: سمعت رجلا يقول كذا.
{قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ:} انظر الآية رقم [٦] من سورة (النساء) لشرح (الفقير). {وَنَحْنُ أَغْنِياءُ:}
قالوا ذلك تمويها على ضعفائهم، لا أنّهم يعتقدون هذا، وغرضهم تشكيك الضعفاء من المؤمنين، وتكذيب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أي: إنه فقير على قول محمّد؛ لأنه اقترض منّا. {سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ:} سنجازيهم عليه. وقيل: معناه: سنكتبه في صحائف أعمالهم، وهو كقوله تعالى في سورة (الأنبياء): {وَإِنّا لَهُ كاتِبُونَ} والكاتبون للأعمال هم الملائكة الموكّلون بذلك، والله هو الآمر بالكتابة، فأسند إليه الفعل مجازا، والموجودون في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقتلوا الأنبياء، وإنّما نسب لهم القتل لرضاهم له، ولما بينهم وبين أصولهم من الخبث، والمكر، والخداع، وسوء الطّباع، فلذا صحّت الإضافة إليهم؛ لأنّ الرضا بالمعصية معصية، فقد روي: أن رجلا حسّن عند الشّعبيّ قتل عثمان-رضي الله عنه-، فقال له الشّعبيّ: شركت في دمه. فجعل الرّضا بالقتل قتلا. وقد روى أبو داود عن العرس بن عميرة الكندي-رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إذا عملت الخطيئة في الأرض؛ كان من شهدها، فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها، فرضيها؛ كان كمن شهدها». {وَنَقُولُ:} لهؤلاء الّذين قالوا هذه المقالة: {ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ} أي: فننتقم منهم، ونقول لهم. وانظر {ذُوقُوا} في الآية رقم [١٠٦].
هذا؛ والقول يطلق على خمسة معان، أحدها: اللفظ الدال على معنى. الثاني: حديث النفس، ومنه قوله تعالى في سورة المجادلة:{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ}. الثالث:
الحركة، والإمالة، يقال: قالت النّخلة؛ أي: مالت. الرابع: يشهد به الحال، كما في قوله تعالى في سورة (فصلت): {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ..}. الخامس: الاعتقاد، كما تقول: هذا قول الأشاعرة، وهذه مقالة المعتزلة، أي: ما يعتقدونه.
هذا، وأمّا الكلام بالنسبة إلى البشر؛ فيدلّ على أحد ثلاثة أمور:
أولها: الحدث الذي يدلّ على لفظ التكليم، تقول: أعجبني كلامك زيدا، وتريد: تكليمك إيّاه، وقال الشاعر:[البسيط]
قالوا كلامك هندا وهي مصغية... يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا