النّار، إن جئتنا به؛ صدقناك! فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ قالُوا} يعني: قد سمع الله قول الذين قالوا: إنّ الله عهد إلينا، يعني: أمرنا، وأوصانا في كتبه: أن لا نؤمن لرسول... إلخ.
هذا؛ وذكر الواحدي عن السّدّيّ: أنه قال: إنّ الله أمر بني إسرائيل في التّوراة: من جاءكم يزعم: أنه رسول الله؛ فلا تصدقوه؛ حتّى يأتيكم بقربان تأكله النار؛ حتّى يأتيكم المسيح، ومحمّد، فإذا أتياكم؛ فآمنوا بهما، فإنّهما يأتيان بغير قربان. زاد غير الواحدي: أنّه قال: وكانت هذه العادة باقية فيهم إلى مبعث المسيح، عليه الصّلاة، والسّلام، ثم ارتفعت، وزالت. هذا؛ وإسناد الأكل إلى النّار استعارة؛ إذ حقيقة الأكل إنّما تكون في الإنسان، والحيوان.
هذا؛ والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من أعمال البر، من نسك، وصدقة، وذبح، وصوم. وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل، وكانوا إذا قربوا قربانا، أو غنموا غنيمة؛ جمعوا ذلك، وجاءت نار بيضاء من السماء، لا دخان لها، ولها دوي، وحفيف، فتأكل ذلك القربان، أو الغنيمة، وتحرقه، فيكون ذلك دليلا على القبول، وإذا لم يقبل؛ بقي على حاله، ولم تنزل نار.
{قُلْ:} هذا خطاب لحبيب الحق، وسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم. {قَدْ جاءَكُمْ} يا معشر اليهود.
{رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي} يعني: مثل: زكريا، ويحيى، ويوشع، وغيرهم. {بِالْبَيِّناتِ:} بالمعجزات الواضحات، والحجج الدّامغات. {وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} أي: ما ذكرتم من القربان. {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} يعني: فلم قتلتم الأنبياء؛ الذين أتوا بما طلبتم منهم من القرابين، والمراد بذلك: أسلافهم، كما ذكرته لك مرارا، والتقريع، والتوبيخ للموجودين في عهد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:}
أنكم تتبعون الحقّ، وتنقادون للرّسل. وذكرت لك مرارا: أن {رُسُلٌ} وما أشبهه يجوز تسكين عينه وتحريكها بالضم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {الَّذِينَ:} بدل مثله في الآية رقم [١٨١] ويجوز أن يكون في محل نصب بفعل محذوف، التقدير: أذمّ الذين، كما يجوز أن يكون في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير:
هم الذين. {قالُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة مع مقولها صلة الموصول، لا محلّ لها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {عَهِدَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى: {اللهَ} والجملة الفعلية في محل رفع خبر: {إِنَّ:} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {إِلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. ({إِنَّ}) حرف مصدري ونصب.
(لا): نافية. {نُؤْمِنَ:} فعل مضارع منصوب ب ({إِنَّ}) والفاعل مستتر وجوبا، تقديره: نحن، و (أن) والفعل في تأويل مصدر في محل جر بحرف خبر محذوف، التقدير: عهد إلينا بعدم الإيمان، والجار والمجرور متعلّقان بما قبلهما. {لِرَسُولٍ:} متعلقان بالفعل: {عَهِدَ}.
{حَتّى:} حرف غاية، وجر بعدها «أن» مضمرة. {يَأْتِيَنا:} فعل مضارع منصوب ب «أن»