للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكاليف الشرع. {وَأَنْفُسِكُمْ} يعني: بالمصائب، والأمراض، والقتل، وفقد الأحباب، كقوله تعالى في سورة (البقرة): {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ}.

خوطب المسلمون بهذه الآية؛ ليوطنوا أنفسهم على احتمال الأذى، وما سيلقون من الشدائد، والمصائب؛ ليصبروا على ذلك، حتى إذا لقوها؛ لقوها؛ وهم مستعدّون بالصبر لها، لا يرهقهم ما يرهق غيرهم ممّن تصيبه الشّدة بغتة، فينكرها، ويشمئزّ منها.

{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً:} يقول الله تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عمّا ينالهم من الأذى من اليهود، ومن المشركين، بل ومن المنافقين، وآمرا لهم بالصّبر، والعفو؛ حتّى يأتي الله بالنّصر.

وقد تحقّق ذلك للمسلمين بعد سنوات عدّة بقتل اليهود قبيلة، قبيلة، وبذلّ المنافقين، وأخيرا بفتح مكة، قال عكرمة: نزلت في أبي بكر، وفنحاص كما رأيت في الآية رقم [١٨١] والأصح:

أنّها نزلت قبل وقعة بدر، كما ذكرت آنفا.

{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا:} الخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق، ولأصحابه. والمعنى: وإن تصبروا على أذاهم، وتتّقوا الله فيما أمركم به، ونهاكم عنه؛ لأنّ الصبر عبارة عن احتمال الأذى، والمكروه، والتقوى عبارة عن الاحتراز عمّا لا ينبغي. هذا؛ والإشارة بقوله تعالى: {فَإِنَّ ذلِكَ} للصّبر، والتّقوى. {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي: ممّا عزمه الله، وأمر به، وقطعه قطع إيجاب وإلزام، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا صيام لمن لم يعزم الصّيام من اللّيل» أي: لم يقطعه، ويجزم به بالنّيّة.

هذا؛ ودخلت لام الابتداء في سورة (الشّورى) في قوله تعالى: {إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ،} وهي للتّوكيد، ولم تدخل في هذه الآية، ولا في سورة (لقمان) رقم [١٧] لأنّ الصبر على مكروه حدث بظلم-كقتل-أشدّ من الصبر على مكروه حدث بلا ظلم، كموت ولد، كما أنّ العزم على الأول آكد منه على الثّاني، وما في سورة (الشورى) من القبيل الأول، فكان أنسب بالتوكيد، وما هنا، وما في سورة (لقمان) من القبيل الثاني، فكان أنسب بعدمه. انتهى جمل نقلا عن كرخي.

بعد هذا: فالفعل «تسمع» صحيح الآخر، فلمّا أسند لواو الجماعة صار: تسمعون، فلمّا أكّد بنون التوكيد صار: تسمعوننّ، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فصار تسمعون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة على العين؛ لتدلّ عليها، فصار (لتسمعن). وإذا أسند الفعل المعتل الآخر لواو الجماعة، مثل: يدعو، يرمي، يسعى، فتحذف نون الرفع وواو الجماعة، وحرف العلة، مثل: لتدعنّ لترمنّ، إلا مع المعتل بالألف، فتثبت الواو؛ لأنّ قبلها فتحة، مثل لتسعونّ، ومنه: لتبلونّ.

الإعراب: {لَتُبْلَوُنَّ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، تقديره: وعزتي، وجلالي! والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. (تبلون): فعل مضارع مبني للمجهول

<<  <  ج: ص:  >  >>