للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَنَبَذُوهُ:} طرحوه، والنبذ: الطرح. {وَراءَ ظُهُورِهِمْ} أي: لم يعملوا به، ولم يبينوه، فيكون الضمير عائدا إلى الكتاب أيضا، ومثله قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٠١]: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ}. {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً:} هو ما يأخذونه من سفلتهم من المآكل، والرّشا.

{فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ:} ذمهم الله تعالى على فعلهم ذلك، ويدخل في هذا الذمّ علماء السّوء من المسلمين؛ لأنهم أهل كتاب أيضا، وهو القرآن، وهو أشرف الكتب. قال قتادة: رحمه الله تعالى: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا؛ فليعلّمه، وإيّاكم وكتمان العلم؛ فإنّه هلكة، وقال أيضا: مثل علم لا يقال به، كمثل كنز لا ينفق منه، ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم لا يأكل، ولا يشرب. وقال أيضا: طوبى لعالم ناطق، ومستمع واع، هذا علم علما، فبذله، وهذا سمع خبرا، فقبله، ووعاه. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل علما يعلمه، فكتمه؛ ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». أخرجه الترمذي.

هذا؛ ولا تنس الاستعارة في النبذ، والاشتراء: شبه عدم التمسك، أو العمل به بالشيء الملقى خلف ظهر الإنسان، باشتراء ثمن قليل ما تعوّضوه من الحطام على كتم آيات، وفي الآية الكريمة من المحسّنات البديعية: الطباق بين ({لَتُبَيِّنُنَّهُ}) و ({لا تَكْتُمُونَهُ}).

هذا وجاء ({وَراءَ}) هنا بمعنى: خلف، ويأتي بمعنى: أمام، وقدّام، قال تعالى في سورة (الكهف): {وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} وأيضا قوله تعالى في سورة (المؤمنون):

{وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} كما يأتي بمعنى «بعد» خذ قوله تعالى في سورة هود: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} أي: من بعد إسحاق يعقوب، وقال النابغة الذبياني: [الطويل]

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وليس وراء الله للمرء مطلب

أي: وليس بعد الله جل جلاله، وكذلك قوله تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام: {وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} أي: من بعده. ومن مجيئه بمعنى:

أمام، وقدّام قول لبيد-رضي الله عنه-: [الطويل]

أليس ورائي إن تراخت منيّتي... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟

وأيضا قول سوار بن المضرّب السّعدي، وكان قد هرب من الحجاج حين فرض البعث مع المهلب ابن أبي صفرة لقتال الخوارج: [الطويل]

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي... وقومي تميم والفلاة ورائيا

وثبت بما تقدّم: أنّه من الأضداد، وهو منصوب على الظرفية المكانية، قال الأخفش:

يقال: لقيته من وراء، فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسما، وهو غير متمكن، كقوله تعالى: {لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} وأنشد قول الشاعر: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>