للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرحهم منجيا لهم من العذاب. نزلت الآية الكريمة في المنافقين. وخذ ما يلي: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الغزو، وتخلّوا عنه؛ فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اعتذروا إليه، وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت الآية الكريمة. متّفق عليه. وانظر سورة (التوبة) رقم [٨١].

وقيل: نزلت في اليهود. وخذ ما يلي: عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنهما-:

أن مروان بن الحكم-وكان أميرا على المدينة-قال: لبوّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل له: لئن كان كلّ منا فرح بما أتى، وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذبا؛ لتعذبنّ أجمعون!

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: مالكم ولهذه الآية؟، إنّما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس-رضي الله عنهما-الآية، والتي قبلها. وقال ابن عباس: سألهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء، فكتموه إيّاه، وأخبروه بغيره. فخرجوا؛ وقد رأوا: أنّهم قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا عليه بذلك، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إيّاه ما سألهم عنه. متفق عليه أيضا. وقال محمّد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كتموا الحق، وأتوا ملوكهم من العلم ما يوافقهم في باطلهم.

{وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا} أي: ويحبّون أن يحمدهم الناس على شيء لم يفعلوه؛ أي:

يحبون أن يقول الناس لهم: علماء، وليسوا بأهل العلم على الحقيقة. وقيل: فرحوا بما أتوا من تبديلهم التوراة، وأحبّوا أن يحمدهم الناس على ذلك. {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} أي:

بمنجاة من العذاب، والمفازة: المنجاة، وتطلق على الأرض الفقر الواسعة الشّاسعة، سمّيت بذلك على جهة التفاؤل، أو لأنّ من قطعها؛ فاز. وقرئ الفعل بفتح التاء، والياء، فيكون الفعل تأكيدا للأول وقرئ بفتح التاء، وضمّ الباء، فيكون المراد النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، والمعنى: لا تظنّهم بمنجاة من العذاب؛ الذي أعدّه الله لهم في الدنيا من القتل، والأسر، وضرب الجزية، والذلّة، والصغار، {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: في الآخرة، وهذه الآية وإن كانت نزلت في اليهود، أو المنافقين، فإنّ حكمها عامّ في كلّ من أحبّ أن يحمد بما لم يفعل من الخير، والصلاح، أو ينسب إلى العلم؛ وليس هو كذل.، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ والفرح لذة في القلب في إدراك المحبوب، ولذا أكثر ما يستعمل في اللّذات البدنية الدنيويّة، وقد ذمّ الله الفرح في مواضع من كتابه، كقوله تعالى في سورة (القصص) رقم [٧٦]:

{لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} رقم [١٠] من سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ولكنّه مطلق، فإذا قيد الفرح؛ لم يكن ذمّا، كقوله تعالى في هذه السورة في حقّ الشهداء: {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>