أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي، فصلى عليه، وكبّر أربع تكبيرات، واستغفر له، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلّي على علج حبشيّ نصرانيّ، لم يره قط، وليس على دينه، فأنزل الله تعالى الآية الكريمة. وبهذا استدلّ الشّافعي-رضي الله عنه-على صلاة الغائب.
وقيل: نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الرّوم كانوا على دين عيسى، عليه السّلام، فآمنوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصدّقوه. وقيل: نزلت في عبد الله بن سلام، وأصحابه. وقيل: نزلت في جميع مؤمني أهل الكتاب. وهذا القول أولى؛ لأنه لمّا ذكر أحوال الكفار، وأحوال أهل الكتاب، وأنّ مصيرهم إلى النار؛ ذكر حال من آمن من أهل الكتاب، وأنّ مصيرهم إلى الجنّة.
{خاشِعِينَ لِلّهِ} يعني: خاضعين لله، متواضعين له غير مستكبرين. وانظر الخشوع في الصّلاة في أول سورة (المؤمنون) فإنّه جيد، والحمد لله! {لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً} يعني: لا يغيّرون كتبهم، ولا يحرّفونها، ولا يكتمون صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم لأجل الرئاسة، والمآكل، والرّشا، كما يفعله غيرهم من علماء اليهود، وسمّاه الله: قليلا؛ لأنه لا بقاء له، ولا قيمة له بجانب نعيم الآخرة الدّائم.
{أُولئِكَ:} إشارة إلى من هذه صفته من أهل الكتاب. {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ:} لهم ثواب أعمالهم؛ التي عملوها لله في الدنيا، مدخر لهم عند الله، يوفّيهم إيّاه يوم القيامة. والعنديّة عنديّة تكريم، وتشريف، لا عندية مكان. إن الله سريع الحساب: انظر الآية رقم [١٩] وخذ ما يلي:
فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لهم أجران:
رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيّه، وآمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، والعبد المملوك إذا أدّى حقّ الله، وحقّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها، فأدّبها، فأحسن تأديبها، وعلّمها، فأحسن تعليمها، ثمّ أعتقها، وتزوّجها، فله أجران». متفق عليه.
الإعراب:{وَإِنَّ:} الواو: حرف استئناف. {مِنْ أَهْلِ} متعلقان بمحذوف خبر: ({إِنَّ}) تقدّم على اسمها. و {أَهْلِ:} مضاف، و {الْكِتابِ:} مضاف إليه. {لَمَنْ:} اللام: لام الابتداء.
({مِنْ}): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم ({إِنَّ}) مؤخر، وانظر الآية رقم [١١٠]: وقس هذه عليها. {يُؤْمِنُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: هو. {بِاللهِ:}
متعلقان به، والجملة الفعلية صلة:({مِنْ}) لا محل لها، والجملة الاسمية:({إِنَّ مِنْ..}.) إلخ مستأنفة لا محل لها. ({ما}): اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر معطوفة على لفظ الجلالة. {أُنْزِلَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى (ما) وهو العائد، أو الرابط. {إِلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والتي بعدها معطوفة عليها. {خاشِعِينَ:} حال من فاعل: {يُؤْمِنُ} المستتر، وجمعه باعتبار المعنى، فهو منصوب، وعلامة نصبه الياء... إلخ، وفاعله مستتر فيه. {لِلّهِ:} متعلقان