ورغد العيش: من باب: ظرف، فهو راغد، وهو في رغد من العيش، أي: في رزق واسع، وأرغد القوم: أخصبوا. و (حيث) ظرف مكان اتفاقا، وقد ترد للزّمان، قال الأخفش: وبه قيل في قول طرفة بن العبد: [المديد]
للفتى عقل يعيش به... حيث تهدي ساقه قدمه
أي: في زمن هدايته، وتحتمل المكان أيضا، وفيها ستّ لغات، بالياء مع الضم والفتح والكسر، وبالواو مع الضم، والفتح، والكسر، وهي: حيث، وحيث، وحيث، وحوث، وحوث، وحوث، وانظر مبحثها وشواهدها في كتابنا فتح القريب المجيب.
{وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ:} لقد اختلف في تعيين هذه الشجرة اختلافا كبيرا، قال العلامة أبو جعفر بن جرير-رحمه الله تعالى-: والصّواب في ذلك أن يقال: إنّ الله تعالى نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنّة، دون سائر أشجارها، فأكلوا منها، ولا علم عندنا بأيّ شجرة كانت تدل على التّعيين؛ لأنّ الله تعالى لم يضع دليلا على ذلك في القرآن، ولا ورد في السنة الصّحيحة بيان له، وقد قيل: كانت شجرة البرّ. وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التّين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم-إذا علم-لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل؛ لم يضره جهله، والله أعلم. مختصر ابن كثير. هذا ولقد نهى الله عن قرب هذه الشجرة؛ لأنه أبلغ في النهي عن الأكل، كما في قوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها} الآية رقم [١٨٦] الآتية، انظر شرحها هناك؛ فإنه جيد، والحمد لله!.
هذا ويقال: إنّ أول من أكل من الشجرة حوّاء بإغواء إبليس إيّاها، وإن أول كلامه كان معها؛ لأنّها وسواس المخدّة، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء، فقال: ما منعتما من هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد، لأنّه علم منهما: أنهما كانا يحبان الخلد، فأتاهما من حيث أحبّا، فلما قالت حواء لآدم؛ أنكر عليها، وذكر العهد، فألحّ على حواء، وألحّت حواء على آدم إلى أن قالت: أنا آكل قبلك حتى إذا أصابني شيء؛ سلمت أنت، فأكلت، فلم يضرّها، فأتت آدم، فقالت: كل فإني أكلت فلم يضرّني، فأكل، فبدت لهما سوآتهما، وحصلا في حكم الذنب لقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} فجمعهما في النّهي، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتّى وجد المنهي عنه منهما جميعا، هذا وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم؛ لرجح حلمه». وقد قال الله تعالى:{فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} سورة (طه) رقم [١١٥].