للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه... كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل

يزلّ الغلام الخفّ عن صهواته... ويلوي بأثواب العنيف المثقّل

{عَنْها} عن الجنّة. {فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ} أي: من نعيم الجنة، وسرورها، ولم يقصد إبليس لعنه الله إخراجه من الجنة فقط، وإنما أراد إسقاطه من مرتبته، وإبعاده من رحمة الله تعالى، كما أبعد هو، وطرد، فلم يدرك طرده، بل ازداد سخنة عين، وغيظ نفس، وخيبة ظنّ، قال الله تعالى في سورة (طه) رقم [١٢٢]: {ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى} فصار عليه السّلام خليفة الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره، وكم بين الخليفة والجار من فرق! ونسب الإخراج إلى إبليس؛ لأنه كان بسببه وإغوائه.

واختلف في كيفية دخول إبليس الجنّة، ووسوسته لآدم وحواء، فقال ابن مسعود، وابن عباس -رضي الله عنهم-وجمهور العلماء: أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٢١]: {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ} وكان قد رآهما على باب الجنّة؛ لأنّهما كانا يخرجان منها، وكان إبليس بقرب الباب، فوسوس لهما. والمقاسمة: ظاهر المشافهة، وقال بعضهم، وذكر عبد الرزاق عن وهب بن منبه: إنه دخل الجنة في فم الحيّة، وذلك أنّ إبليس لعنه الله تعالى. أراد أن يدخل الجنّة، فمنعه الخزنة، فأتى الحيّة وكانت صديقة لإبليس، وكانت من أحسن الدوابّ، لها أربع قوائم كقوائم البعير، فسألها أن تدخله في فمها، فأدخلته، ومرّت به على الخزنة، وهم لا يعلمون، وكان ذلك لأنه طرد من الجنّة حينما عصى الله، وأبى أن يسجد لآدم، فقال الله له: {اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً} الآية رقم [١٨] من سورة (الأعراف).

فلما دخل؛ أخذ يوسوس لهما وذلك: أنّ آدم لمّا دخل الجنة، ورأى ما فيها من النعيم؛ قال: لو أن خلدا!، فاغتنم إبليس ذلك منه، وأتاه من قبل الخلد، وقال لهما: {ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ} رقم [٢٠] من سورة (الأعراف). وقيل: لما دخل الجنّة، وقف على آدم، وحواء، وهما لا يعلمان: أنّه إبليس، فبكى، وناح نياحة أحزنهما، وهو أوّل نائح، فقالا: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما؛ لأنكما تموتان، فتفارقان ما أنتما فيه من النّعمة، فوقع ذلك في أنفسهما، واغتمّا، ومضى إبليس، ثمّ أتاهما بعد ذلك. وقال: {يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى} سورة (طه) رقم [١٢٠]، فأبى أن يقبل منه، ف‍ {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ} فاغترّا، وما ظنّا: أنّ أحدا يحلف بالله كذبا، فبادرت حواء إلى الشّجرة، فأكلت منها، ثم ناولت آدم، فأكل منها، قال إبراهيم بن أدهم-رحمه الله تعالى-: «أورثتنا تلك الأكلة حزنا طويلا».

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: «قال الله تعالى: يا آدم! ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشّجرة؟ قال: بلى وعزّتك! ولكن ما ظننت أنّ أحدا يحلف بك كذبا، قال: فبعزتي

<<  <  ج: ص:  >  >>