للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَعْمَلُونَ السُّوءَ:} يعني: يعملون الذنوب، والمعاصي. سميت سوءا؛ لسوء عاقبتها؛ إذا لم يتب منها، وهو مصدر: ساء، يسوء، سوءا، أو مساءة: إذا أحزنه. والسّوء: الشر، والفساد، والجمع: أسواء، وهو بضم السين من ساءه، وبفتحها المصدر، تقول: رجل سوء بالإضافة، ورجل السّوء، ولا تقول: الرّجل السّوء. قال تعالى: {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ} سورة (الأنبياء).

{بِجَهالَةٍ} قال قتادة-رحمه الله تعالى-: أجمع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أنّ كل شيء عصي الله به؛ فهو بجهالة، عمدا كان، أو غيره. وكلّ من عصى الله؛ فهو جاهل، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: من عمل السوء؛ فهو جاهل، ومن جهالته عمل السوء، فكل من عصى الله؛ سمّي جاهلا، وسمي فعله جهالة، وإنما سمّي من عصى الله جاهلا؛ لأنه لم يستعمل ما معه من العلم بالثّواب، والعقاب، وإذا لم يستعمل ذلك؛ سمّي جاهلا بهذا الاعتبار. وقيل:

معنى الجهالة هو اختيار اللّذة الفانية على اللّذة الباقية.

{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} يعني: يتوبون من الذنب بعد الإقلاع منه بزمن قريب؛ لئلا يعدّ في زمرة المصرّين. وقيل: القريب: أن يتوب في صحّته قبل مرض موته. وقيل: قبل معاينة ملك الموت، ومعاينته أهوال الموت. وإنما سميت هذه المدّة قريبة؛ لأنّ كلّ ما هو آت قريب، وفيه تنبيه على أنّ عمر الإنسان-وإن طال-قريب، وهو قليل، وإن الإنسان يتوقع كل ساعة، ولحظة نزل الموت به، وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر». أخرجه الترمذي، الغرغرة: أن يجعل المشروب في فم المريض، فيردده في الحلق، ولا يصل إليه، ولا يقدر على بلعه، وذلك عند بلوغ الرّوح الحلقوم. وروى البغوي بسنده عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان قال:

وعزّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم! فقال الرّبّ تبارك وتعالى:

وعزّتي وجلالي، وارتفاعي في مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني!».

بعد هذا: فالتوبة المقبولة هي التوبة النّصوح، ولها شروط: الندم بالجنان. والاستغفار باللسان، ورد الحقوق لأصحابها بحسب الإمكان، ولقد أحسن محمود الورّاق؛ حيث قال -رحمه الله تعالى-: [الكامل]

قدّم لنفسك توبة مرجوّة... قبل الممات وقبل حبس الألسن

بادر بها غلق النّفوس فإنّها... ذخر وغنم للمنيب المحسن

الإعراب: {إِنَّمَا:} كافة ومكفوفة. {التَّوْبَةُ:} مبتدأ. {عَلَى اللهِ:} متعلقان بمحذوف صفة التوبة على اعتبار (ال) للجنس، أو في محل نصب حال منها على اعتبار (ال) للتعريف، وهذا على قول من يجيز مجيء الحال من المبتدأ. {لِلَّذِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، ويجوز اعتبار: {عَلَى اللهِ} متعلقين بمحذوف خبر المبتدأ، ويكون: {لِلَّذِينَ} متعلقين بمحذوف حال

<<  <  ج: ص:  >  >>