عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدّنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأمّا الكافر؛ فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدّنيا؛ حتّى إذا أفضى إلى الآخرة؛ لم يكن له حسنة يجزى بها». هذا والذّرّة: النّملة الحمراء الصّغيرة، وتقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء المنتشر في الفضاء، وهي لا ترى إلا في ضوء الشّمس الدّاخل إلى مكان مظلم.
{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها} أي: يكثر ثوابها، ويبارك فيها، قال قتادة-رحمه الله تعالى-:
لأن تفضل حسناتي على سيئاتي بمثقال ذرّة أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها. وفي الصّحيحين عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الشفاعة الطّويل، وفيه: «فيقول الله عزّ وجلّ: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان، فأخرجوه من النّار».
وفي لفظ: «أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه من النّار. فيخرجون خلقا كثيرا». ثمّ قال أبو سعيد-رضي الله عنه-: اقرءوا إن شئتم: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ}.
وقال ابن أبي حاتم: قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: يؤتى بالعبد، أو بالأمة، فينادي مناد على رءوس الخلائق: هذا فلان بن فلان، من كان له عليه حقّ؛ فليأت إلى حقّه، ثمّ يقول: آت هؤلاء حقوقهم! فيقول: يا ربّ من أين لي، وقد ذهبت الدّنيا عنّي؟! فيقول الله تعالى للملائكة: انظروا إلى أعماله الصّالحة، فأعطوهم منها. فإن بقي منها مثقال ذرّة من حسنة؛ قالت الملائكة: يا رب-وهو أعلم بذلك منهم-قد أعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، وبقي مثقال ذرّة من حسنة، فيقول الله تعالى للملائكة: ضعّفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنّة. ومصداقه:
{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ..}. إلخ. وإن كان عبدا شقيّا؛ قالت الملائكة: إلهنا! فنيت حسناته، وبقيت سيّئاته، وبقي طالبون كثير، فيقول الله تعالى: خذوا من سيئاتهم، وأضيفوها إلى سيّئاته، ثمّ صكّوا له صكّا إلى النّار.
فالآية على هذا التفسير في الخصوم، وأنّه تعالى لا يظلم مثقال ذرّة للخصم على الخصم يأخذ له منه، ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له، بل يثيبه عليها، ويضعفها له، وقد تقدّم في الآية رقم [٢٨] عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: أنّ هذه الآية إحدى الآيات، الّتي هي خير ممّا طلعت عليه الشّمس.
{وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} يعني: الجنة. والمعنى: يعطي من عنده أجرا عظيما بعد مضاعفة الحسنة الّتي توفرت له. قال أبو هريرة-رضي الله عنه-: إذا قال الله عزّ وجل: {أَجْراً عَظِيماً} فمن يقدر قدره؟! وفيه إبطال قول المعتزلة في تخليد مرتكب الكبيرة مع أنّ له حسنات كثيرة، وأعمالا صالحات.
هذا؛ والضّعف بكسر الضاد، وسكون العين: مثل الشّيء، وضعفاه: مثلاه، وأضعافه:
أمثاله، هذا هو الأصل في الضّعف، ثمّ استعمل في المثل، وما زاد، وليس للزّيادة حدّ، فيقال: