للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمّاه الله: الطاغوت، فأبى اليهوديّ أن يخاصمه إلا إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى المنافق ذلك؛ أتى معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لليهوديّ، فلما خرجا؛ قال المنافق: لا أرضى! انطلق إلى أبي بكر، فحكم الصديق-رضي الله عنه-لليهوديّ، فلم يرض-ذكره الزجّاج -وقال: انطلق بنا إلى عمر، فذهبا إلى عمر، فقال اليهودي: إنا صرنا إلى محمّد، ثم إلى أبي بكر، فلم يرض، فقال عمر-رضي الله عنه-للمنافق: أكذاك هو؟ قال: نعم، قال:

رويدكما حتى أخرج إليكما، فدخل، وأخذ السيف، ثمّ ضرب به المنافق، فقتله، وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله، وقضاء رسوله. وهرب اليهوديّ، ونزلت الآية، وقال جبريل-عليه السّلام-: إنّ عمر فرّق بين الحقّ، والباطل، فسمّي الفاروق. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له: «أنت الفاروق»، وفي ذلك نزلت الآية كلّها إلى قوله: {تَسْلِيماً} وهذه إحدى الآيات الّتي وافقت رأي عمر، ومثلها الآية رقم [٩٨]، والآية رقم [١٢٥] من سورة (البقرة)، والآية رقم [٩٤] من سورة (المائدة)، والآية رقم [٦٧] من سورة (الأنفال)، والآية رقم [٥٩] من سورة (الأحزاب)، والآية رقم [٥] من سورة (التحريم) وغير ذلك.

هذا؛ و {يَزْعُمُونَ:} ماضيه زعم، قال الشيخ مصطفى الغلاييني-رحمه الله تعالى-: الغالب في زعم أن تستعمل للظنّ الفاسد، وهو حكاية قول يكون مظنّة للكذب. فيقال فيما يشك فيه، أو فيما يعتقد كذبه. ولذلك يقولون: (زعموا) مطيّة الكذب، أي: إنّ هذه الكلمة مركب للكذب، ومن عادة العرب: أنّ من قال كلاما وكان عندهم كاذبا؛ قالوا: زعم فلان. ولهذا جاء في القرآن الكريم في كلّ موضع ذمّ القائلون به، وقد يراد الزّعم بمعنى القول مجردا عن معنى الظنّ الراجح، أو الفاسد، أو المشكوك فيه، فإن كانت زعم بمعنى: تأمّر، وترأّس، أو بمعنى: كفل به تعدّت إلى واحد بحرف الجر، تقول: زعم على القوم، فهو زعيم، أي: تأمّر عليهم، وترأسهم، وزعم بفلان، وبالمال، أي: كلفه، وضمنه، وتقول: زعم اللّبن، أي: أخذ يطيب، فهو لازم. انتهى.

أقول: ولا تنس الكفالة، والضمان من (زعم) في قوله تعالى: {قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} سورة (يوسف) رقم [٧٢]، وقوله جلّ ذكره: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ} سورة (القلم) رقم [٤٠]. بعد هذا أقول: إنّ (زعم) من الأفعال التي تنصب مفعولين؛ أصلهما مبتدأ وخبر، إن كان من أفعال الرّجحان، والأكثر أن يسدّ مسدهما: أن، واسمها، وخبرها مخففة من الثقيلة، أو غيرهما، نحو قوله تعالى في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا..}. إلخ، وفي هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ..}. إلخ. انظر شواهد ذلك في كتابنا: «فتح رب البريّة». والقليل أن تنصب مفعولين صريحين، وهو ناقص التصرّف، ويأتي منه ماض، ومضارع، ولا يأتي منه أمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>