وعجزهم. ففيه حضّ على الجهاد لإعلاء كلمة الله، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضّعفاء، وإن كان في ذلك تلف النّفوس. وتخليص الأسارى، والمستضعفين واجب على جماعة المسلمين، إمّا بالقتال، وإمّا بالأموال، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«فكّوا العاني» والمراد بالمستضعفين:
من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفّار قريش لهم، وهم المعنيّون بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعيّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين».
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كنت أنا، وأمّي من المستضعفين. و (الولدان) جمع: ولد، وإنّما ذكر الله سبحانه الولدان مبالغة في الحثّ على الجهاد، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ آذاهم الصّبيان.
بالشرك، ويظلمون غيرهم بالإيذاء، والتطاول عليهم، و {الظّالِمِ:} نعت سببيّ يجب فيه الإفراد، والتّذكير، ويراعى في تذكيره، وتأنيثه، وجمعه، وتثنيته ما بعده. {وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} أي: من عندك نصيرا، ومعينا، ومخلّصا من إيذاء كفار قريش. وقد استجاب الله دعاءهم، وحقّق رجاءهم بأن يسّر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم في مكّة خير وليّ، وخير ناصر؛ حيث فتح الله مكّة على يد رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فتولاّهم، ونصرهم، ثمّ استعمل عليهم عتّاب بن أسيد-رضي الله عنه-فحمى المستضعفين، ونصرهم حتّى صاروا أعزّاء أهل مكّة. والحمد لله والمنّة!.
هذا؛ و «القرية» اسم للمكان الّذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة، وغيرها، كيف لا؟ وقد جعل الله مكة المكرمة أمّ القرى في قوله تعالى في الآية رقم [٩٢] من سورة (الأنعام): {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها،} كما تطلق على الضيعة الصّغيرة، وهي مأخوذة من: قريت الماء في المكان: جمعته، وفي القاموس المحيط: القرية: بكسر القاف، وفتحها، والنسبة إليها: قروي، وقريي، والفتح أقوى.
الإعراب:{وَما لَكُمْ:} الواو: حرف استئناف. ({ما}): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة لا محلّ لها. {لا:} نافية. {تُقاتِلُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محلّ نصب حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور، والعامل اسم الاستفهام، كما في الآية رقم [٨٨] الآتية، وكما في قوله تعالى:{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} وغير ذلك كثير. {فِي سَبِيلِ:} متعلقان بما قبلهما، و {سَبِيلِ:} مضاف، و {اللهِ:}
مضاف إليه. {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ:} معطوف على لفظ الجلالة، وهذا اختيار الزجاج، وقاله الزّهري، وقال المبرد: اختار أن يكون معطوفا على (السبيل) أي: وفي المستضعفين لاستنقاذهم.