للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والهمزة في قوله: {أَفَلا} للإنكار، وهي في نية التأخير عن الفاء؛ لأنّه حرف عطف، وكذا تقدّم على الواو، وثمّ، تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ..}. إلخ. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..}. إلخ. {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ..}.

إلخ، وأخواتها تتأخّر عن حروف العطف، كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ..}. إلخ، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}. هذا مذهب سيبويه، والجمهور، وخالف في ذلك جماعة، أوّلهم الزمخشري، فزعموا: أنّ الهمزة في الآيات المتقدمة في محلّها الأصلي، وأنّ العطف على جملة مقدّرة بينها، وبين العاطف، فيقولون: التّقدير في: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا..}. إلخ، {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً،} {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ:} أمكثوا، فلم يسيروا في الأرض؟ أنهملكم فنضرب عنكم؟ أتؤمنون في حياته فإن مات، أو قتل... إلخ؟ ويضعف قولهم ما فيه من التكلّف، وأنّه غير مطّرد في جميع المواضع.

انتهى. مغني اللبيب بتصرّف.

هذا؛ و (قرآن) مشتقّ من: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، فكأنّه جمع فيه الحكم، والمواعظ، والآداب والقصص، والفروض، وجميع الأحكام، وكملت فيه جميع الفوائد الهادية إلى طريق الرّشاد، وخذ قول عمرو بن كلثوم في معلّقته رقم [١٢]: [الوافر]

ذراعي حرّة (١) ... أدماء بكر

هجان اللّون لم تقرأ جنينا

لم تقرأ جنينا: لم تضمّ، ولم تجمع في رحمها ولدا قطّ، وهو في اللّغة مصدر بمعنى:

الجمع، يقال: قرأت الشيء قرآنا: إذا جمعته، وبمعنى القراءة، يقال: قرأت الكتاب قراءة، وقرآنا، ثمّ نقل إلى هذا المجموع المقروء المنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، المنقول عنه بالتواتر فيما بين الدّفتين، المتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختتم بسورة الناس. وهذا التعريف متفق عليه بين العلماء، والأصوليين. أنزله الله ليكون دستورا للأمة، وهداية للخلق أجمعين، وليكون آية دالّة على صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وبرهانا ساطعا على نبوته، ورسالته، وحجة قائمة إلى يوم الدين. تشهد: أنّه تنزيل الحكيم الحميد، بل هو المعجزة الخالدة التي تهتدي بها الأجيال، والأمم على الأزمان، والدهور، ورحم الله أحمد شوقي؛ إذ يقول: [البسيط]

جاء النّبيّون بالآيات فانصرمت... وجئتنا بكتاب غير منصرم

آياته كلّما طال المدى جدد... يزينهنّ جمال العتق والقدم

وللقرآن أسماء عديدة، كلّها تدلّ على رفعة شأنه، وعلوّ مكانته، وعلى أنّه أشرف كتاب سماويّ على الإطلاق، فيسمّى: القرآن، والفرقان، والتّنزيل، والذّكر، والكتاب، والنّور،


١) وفي رواية: ذراعي عيطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>