للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكاية عن قول أولاد يعقوب لأبيهم: {قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ}. والحضّ، والتحريض: الحثّ على الشّيء بكثرة تزيينه، وتسهيله للإنسان. قال الله تعالى في سورة (الأنفال): {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ..}. إلخ.

{عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ..}. إلخ: أي: يكف بطش الكافرين، وشدّتهم، وهم قريش، وقد كفّ الله بأسهم بالرّعب، كما رأيت، فلم يخرجوا، و ({عَسَى}) في الأصل للترجّي، ولكنّها في جانب الله، وكرمه للتّحقيق، والتأكيد، وهي هنا مطمعة، والإطماع من الله عزّ وجل واجب، على أنّ الطّمع قد جاء في كلام الربّ على الوجوب، ومنه قوله تعالى في سورة (الشعراء) حكاية عن قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} وقال ابن مقبل: [الكامل]

ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفة... يتنازعون جوائز الأمثال

{وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً} أي: صولة، وأعظم سلطانا، وأشدّ انتقاما من أعدائه. {وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً:} عقوبة، وانتقاما، ونكّلت بالرّجل تنكيلا من النّكال، وهو اسم ما يجعل عبرة للغير، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٦٦]: {فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} وقال تعالى في سورة (المائدة) رقم [٣٨]: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ}.

انظر شرح الآيتين في محلهما.

خاتمة: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: إن قال قائل: نحن نرى الكفّار في بأس، وشدّة، وقلتم: إنّ ({عَسَى}) بمعنى اليقين، فأين ذلك الوعد؟ قيل له: قد وجد هذا الوعد، ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدّوام، فمتى وجد؛ ولو لحظة مثلا؛ فقد صدق الوعد، فقد كفّ الله بأس المشركين ببدر الصّغرى، وأخلفوا ما كانوا عاهدوا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من الحرب، والقتال:

{وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ}. ومثله ما حصل في غزوة الحديبية، وفي غزوة الأحزاب، وأخرج اليهود من ديارهم، وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم، مع أنّه قد دخل من اليهود والنصارى العدد الكثير والجمّ الغفير تحت الجزية صاغرين، وتركوا المحاربة داخرين، فكفّ الله بأسهم عن المؤمنين. والحمد لله رب العالمين. انتهى بتصرف. وأقول: إنّ الله يكف بأس الكافرين عن المؤمنين، وأمّا المسلمون المنافقون المزيّفون؛ فلا يكفّ عنهم بأس الكافرين.

بعد هذا: في الآية الكريمة حضّ على الجهاد، والقتال في سبيل الله، كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم للمؤمنين في غزوة بدر، وهو يسوّي الصفوف: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض».

وقد وردت أحاديث كثيرة ترغّب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة، وصام رمضان كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه الّتي ولد

<<  <  ج: ص:  >  >>