للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي أن تعرف: أنّه اختلف العلماء في البدء بالسّلام على الكافر، والردّ عليه، فجوز بعضهم ذلك، فقال النّخعي-رحمه الله تعالى-إذا كانت لك حاجة عند يهوديّ، أو نصرانيّ، فابدأه بالسلام. فظهر بذلك: أنّ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم، الّذي رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «لا تبدءوا اليهود والنّصارى بالسّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطرّوهم إلى أضيقه». رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدءوهم بالسّلام من قضاء ذمام، أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة، أو جوار أو سفر... إلخ.

قال الطبري-رحمه الله تعالى-: وقد روي عن السّلف: أنّهم كانوا يسلّمون على أهل الكتاب. وفعل ابن مسعود-رضي الله عنه-بدهقان صحبه في طريقه، قال علقمة: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدءوا بالسلام؟ قال: نعم، ولكن حقّ الصحبة. وسئل الأوزاعيّ عن مسلم مرّ بكافر، فسلّم عليه؟ فقال: إن سلمت؛ فقد سلم الصّالحون قبلك، وإن تركت؛ فقد ترك الصّالحون قبلك. انتهى. قرطبي في غير هذا الموضع.

أقول: لم يتعرّض للكلام في الردّ عليهم أحد، وأذكر ما رواه أنس-رضي الله عنه-قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم». رواه الستّة إلا النّسائي، وهذا يعني: أنّه لا يردّ عليهم السّلام كاملا، ولكن في هذا العصر كثر الاختلاط بهم، وتغيّرت الأوضاع، كما هو معروف، ومعلوم، فإذا كان قد أجاز بعض العلماء بدأهم بالسّلام كما رأيت، فردّ السّلام عليهم كاملا؛ فهو جائز بالأحرى، ولا سيّما في هذا العصر الذي ضعفت فيه الرّوحانية الإسلاميّة عند كثير من المسلمين، وكذلك ما أصاب المسلمين من ضعف، وهوان في هذه الأيام، وإن أراد المسلم التبرئة من التّبعة؛ فلينو بالردّ عليهم، والسّلام عليهم الملائكة الّذين يكتبون أعمالهم، وتصرّفاتهم في جميع أحوالهم، وكذلك ينوي المسلمين من الجنّ الذين يكونون قريبا منهم. أقول هذا؛ والله وليّ التوفيق. وأضيف: أنّه لا يردّ عليهم بالرّحمة، والبركة، بل يكتفي بقوله: وعليكم السّلام.

وينبغي أن تعلم لفظ: (السّلام عليكم) تحية الإسلام، لم تعرفها العرب، ولا العالم كلّه، وتحيّة العرب كانت بألفاظ، مثل: أنعم صباحا، أنعم مساء، ونحو ذلك، ويروى: أنّ أبا ذر -رضي الله عنه-لمّا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال له: أنعم صباحا، فقال له-صلوات الله وسلامه عليه-:

«إنّ الله قد أبدلني ما هو خير منها» فقال أبو ذرّ: ما هي؟ قال: «السّلام عليكم». ونهي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن التشبّه باليهود، والنّصارى بالسّلام، فقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه -رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبّهوا باليهود، ولا بالنّصارى، فإنّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وإنّ تسليم النّصارى بالأكفّ». رواه الترمذيّ، والطبرانيّ. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «السّلام: اسم من أسماء الله

<<  <  ج: ص:  >  >>