عمرو-رضي الله عنهما-أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ألا إنّ دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسّوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها». وروى الدارقطني عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العمد قود اليد، والخطأ عقل لا قود فيه، ومن قتل في عمّية بحجر، أو عصا، أو سوط، فهو دية مغلّظة في أسنان الإبل». وروى أيضا من حديث سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عقل شبه العمد مغلّظ مثل العمد، ولا يقتل صاحبه». وقال الإمام أحمد: العمّيّ: هو الأمر الأعمى للعصبية لا تستبين ما وجهه.
أمّا العمد بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا، عالما بإيمانه، فيجب فيه القود، والكفارة في ماله على المتعمّد، وكان مالك، والشافعي-رضي الله عنهما-يريان على قاتل العمد الكفارة، كما في الخطأ، قال الشّافعي-رضي الله عنه-: إذا وجبت الكفارة في الخطأ؛ فلأن تجب في العمد أولى، وقال: إذا شرع السّجود في السهو؛ فلأن يشرع في العمد أولى. وقيل: إنّ القاتل عمدا، إنّما تجب عليه الكفارة إذا عفي عنه فلم يقتل، فأمّا إذا قتل فلا تؤخذ من ماله، ومن قتل نفسه فعليه الكفارة في ماله، أقول: وهذا يحملنا حينئذ على الانتقال من الصّيام إلى الإطعام؛ لأنّ من قتل قودا، أو قتل نفسه تعذّر صيامه. وقد احتجّ من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
عن واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه-قال: أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفر من بني سليم، فقالوا: إنّ صاحبا لنا قد أوجب: (أي: فعل فعلا يوجب له النار) فقال صلّى الله عليه وسلّم: «فليعتق رقبة يفدي الله بكلّ عضو منها عضوا منه من النّار».
هذا واختلفوا في الجماعة يقتلون الرّجل خطأ، أو عمدا، أو شبه عمد، فقالت طائفة: على كلّ واحد منهم الكفارة، كذلك قال الحسن، وعكرمة، والنّخعي، والحارث العكلي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وقالت طائفة: عليهم كلّهم كفارة واحدة، ويتصوّر قتل الجماعة رجلا خطأ في الجماعة يرمون بالمنجنيق، فيقتلون رجلا، وأقول: لم يذكر أحد الواحد يقتل الجماعة خطأ، كما يقع في حوادث السّيارات في هذه الأيام، فأقول وبالله التوفيق: إنّه يجب كفارة لكلّ واحد، كما تجب دية لكلّ واحد.
بعد ما تقدّم فالآية الكريمة تذكر: أنّ جزاء قاتل غيره عمدا الخلود في جهنّم، وغضب الله عليه، ولعنة الله عليه، والعذاب العظيم المعدّ له يوم القيامة. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذّنب العظيم، الذي هو مقرون بالشّرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، وأمّا الأحاديث الشّريفة في تحريم القتل؛ فكثيرة جدّا، فمن ذلك ما يلي:
عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس يوم القيامة في الدّماء». رواه الستّة إلا أبا داود.