بدرجات كثيرة. وقيل: يحتمل أن تكون الأولى درجة المدح، والتعظيم، والدّرجات درجات الجنّة، ومنازلها. انتهى خازن بتصرّف. {وَمَغْفِرَةً} أي: لذنوبهم. {وَرَحْمَةً:} أي: من الله تنزل عليهم، وتعمّهم. {وَكانَ اللهُ غَفُوراً:} للذّنوب؛ وهي صيغة مبالغة. {رَحِيماً} أي: بعباده المؤمنين.
تنبيه: الآية الكريمة وسابقتها تحثّان المؤمنين على الجهاد في سبيل الله، وترغّبان فيه، وتبيّنان ما أعدّه الله من الأجر العظيم للمجاهدين في سبيل الله. بعد هذا لا تنس أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم حثّ على جهاد النّفس، وكبحها عن المعاصي، وترويضها على الطّاعات، واعتبر ذلك الجهاد الأكبر، فقد روى البيهقيّ بإسناد حسن صحيح: أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدموا من الجهاد، تلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال لهم:«مرحبا بكم! قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» قالوا: يا رسول الله! وما الجهاد الأكبر؟ قال:«جهاد النّفس».
يضاف إلى ذلك السّعي في الدّنيا، والعمل لها ليكسب الإنسان قوته، وقوت زوجه، وأولاده فقد اعتبره المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله. فعن كعب بن عجرة-رضي الله عنه-قال: مرّ على النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جلده، ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء، ومفاخرة؛ فهو في سبيل الشّيطان». رواه الطّبرانيّ. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٠] من سورة (الأنفال) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.
وكذلك طلب العلم الشرعيّ (١) جهاد في سبيل الله؛ فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«من جاء مسجدي هذا لم يأته إلاّ لخير يتعلّمه، أو يعلّمه؛ فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء بغير ذلك؛ فهو بمنزلة الرّجل ينظر إلى متاع غيره».
رواه ابن ماجة، والبيهقي.
وعن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتّى يرجع». رواه الترمذيّ، وقال: حديث حسن.
وعن أبي الدّرداء-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من غدا يريد العلم يتعلّمه لله؛ فتح الله له بابا إلى الجنّة، وفرشت له الملائكة أكنافها، وصلّت عليه ملائكة السّماوات، وحيتان البحر. وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب
١) العلم الشرعي: هو علوم الدين وكل علم يرضى عنه الشرع لما فيه من خير المسلمين والبشرية جمعاء.