يُفَرِّقُوا... إلخ. وأما قوله تعالت حكمته:{وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا..}. إلخ؛ فداخل فيما قبله، فتمّت المقابلة.
قال النّسفي-رحمه الله تعالى-: والآية تدلّ على بطلان قول المعتزلة في تخليد مرتكب الكبيرة؛ لأنّ الله أخبر: أنّ من آمن بالله، ورسله... إلخ يؤتيه أجره، ومرتكب الكبيرة ممّن آمن بالله ورسوله، ولم يفرّق بين أحد منهم، فيدخل تحت هذا الوعد.
هذا؛ و (أحد) أصله: وحد؛ لأنّه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، وإنّما يحسن في المضمومة، والمكسورة، مثل قولهم في: وجوه: أوجه، وفي وساءة: إساءة. وهو مرادف للواحد في موضعين: أحدهما: وصف الباري جلّ علاه، فيقال:
هو الواحد، وهو الأحد. والثاني: أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون، وفي غير هذين الموضعين يفرق بينهما في الاستعمال، فلا يستعمل أحد إلا في النفي، وهو كثير في الكلام، أو في الإثبات مضافا، كما في قوله تعالى:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} بخلاف الواحد، وقولهم: ما في الدّار أحد. وهو اسم لمن يعقل، ويستوي فيه الواحد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، ولذا صحّت إضافة (بين) إليه، قال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٣٢]: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ}. وقال جلّ ذكره في سورة (الحاقة) رقم [٤٧]: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} وإن أردت الزيادة؛ فانظر الآية رقم [٢٦] من سورة (الجن) تجد ما يسرّك ويثلج صدرك.
الإعراب:({الَّذِينَ}): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:{آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ} صلة الموصول، لا محلّ لها. ({لَمْ}): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يُفَرِّقُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: ({لَمْ})، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة، لا محلّ لها مثلها. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلّق بما قبله، و {بَيْنَ} مضاف، و {أَحَدٍ:} مضاف إليه. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة:
{أَحَدٍ}.
{أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محلّ له. {سَوْفَ:} حرف تسويف، واستقبال، وهو هنا للتّحقيق. {يُؤْتِيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدّرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى:{اللهُ،} والهاء مفعول به أوّل. {أُجُورَهُمْ:} مفعول به ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{أُولئِكَ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ الأوّل، والجملة الاسمية:{وَالَّذِينَ آمَنُوا..}. إلخ معطوفة على الجملة السابقة الواقعة خبرا ل:(إنّ) فهي في محل رفع مثلها. {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً:} إعراب هذه الجملة واضح، وهي مستأنفة، لا محلّ لها.