المعجزات؛ التي جاء بها موسى، ثمّ كفرهم بعيسى، والإنجيل، وكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن سخطنا عليهم، ولعناهم، وطردناهم من رحمتنا. هذا؛ و «النقض» يستعمل في الشيء المحسوس كالجدار، والحبل، ونحوهما، وقد استعير هنا لشيء معنوي، وهو الميثاق، ونقضه. {وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} أي: بغير استحقاق، فقد قتلوا زكريا، ويحيى، وغيرهم كثيرين، كما ذكرته لك فيما تقدّم، وقتل الأنبياء لا يكون حقّا؛ لأنّهم لا يفعلون ما يستوجب القتل، لعصمتهم من الكبائر، بل ومن الصّغائر.
{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ:} جمع أغلف، أي: مغطاة بأغطية، فلا تعي ما تقول يا محمد! فهم يريدون: أنّها خلقت مغشّاة بأغطية خلقية، فهي لا تعي ما جئت به، وهو مستعار من الأغلف، الذي لم يختن، واستعار الغلاف بمعنى الغطاء لعدم الفهم والإدراك، وقرئ بسكون اللام وضمها مثل: رسل، ونحوه، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي: قلوبنا ممتلئة علما، لا تحتاج إلى علم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولا غيره، ومثل هذه الآية رقم [٨٨] من سورة (البقرة) والآية رقم [٥] من سورة (فصلت)، ونصها:{وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ}.
{بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ:} جعلها محجوبة عن العلم، أو خذلها، ومنعها التوفيق للتدبّر في الآيات، والتذكر في المواعظ. {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً} أي: إلا إيمانا قليلا لا قيمة له.
وقيل: المراد بالقليل عبد الله بن سلام، وأصحابه؛ الّذين آمنوا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم إيمانا صحيحا.
هذا؛ و «الطبع» الختم، وهو التأثير في الطّين، ونحوه، فاستعير هنا، وفي كثير من الآيات لعدم فهم القلوب ما يلقى عليها، وإذا طبع على قلب إنسان؛ فلا تؤثّر فيه حينئذ الموعظة، ولا تجدي معه النصيحة، كما قال تعالى في كثير من الآيات:{فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}.
هذا؛ والطّبع: السّجية، والخلق الذي طبع عليه الإنسان، والطّبيعة مثله، وجمع الأول: طباع، وجمع الثاني: طبائع، والطّبع: تدنس العرض، وتلطّخه، يقال: طبع السيف، إذا دخله الجرب من شدّة الصدأ، وطبع الرجل: إذا أتى عيبا، يقال: نعوذ بالله من طمع يدني إلى طبع، أي: إلى دنس، قال ثابت بن قطنة:[البسيط]
لا خير في طمع يدني إلى طبع... وغفّة من قوام العيش تكفيني
الإعراب:{فَبِما نَقْضِهِمْ:} الفاء: حرف استئناف، وهو أقوى من العطف على الآية السّابقة.
(بما {نَقْضِهِمْ}): (ما) مقحمة بين الجار والمجرور. وقيل:(ما): نكرة موصوفة في محل جر بالباء و {نَقْضِهِمْ:} بدل منها، وهو ضعيف. وهما متعلقان على رأي الزمخشري، والبيضاوي بمحذوف، تقديره: فخالفوا، ونقضوا، ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب نقضهم. وقالا: يجوز تعليقهما بالفعل الآتي: (حرمنا)، وصحّح الجمل تبعا للجلال تعليقهما بمحذوف تقديره:«لعناهم»، وذلك لأنّه صرّح به في قوله تعالى:{فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ} الآية رقم [١٣] من سورة