للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: روي: أنّ وفد نجران الّذين مرّ ذكرهم في الآية رقم [٥٩] من سورة (آل عمران) وما بعدها قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا محمد! إنّك تعيب صاحبنا، فتقول: إنّه عبد الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس بعار على عيسى أن يكون عبدا لله». فنزلت الآية الكريمة.

تنبيه: لقد استدلّ بالآية الكريمة من يقول بتفضيل الملائكة على البشر، وجه الدّليل: أنّ الله ارتقى من ذكر عيسى عليه السّلام إلى ذكر الملائكة الكرام، ولا يرتقى إلا من الأدنى إلى الأعلى. والجواب عنه: أنّ الله تعالى لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام البشر، بل قاله ردّا على من يقول: إنّ الملائكة بنات الله، أو: أنّهم آلهة، كما ردّ على النّصارى قولهم: إنّ المسيح ابن الله. وصفوة القول عند أهل السنة، والجماعة: أنّ خواص البشر، وهم الأنبياء-عليهم الصّلاة والسّلام-أفضل من خواصّ الملائكة، وهم العشرة المقرّبون: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، ورقيب، وعتيد، ومنكر، ونكير، ورضوان، ومالك. وخواصّ الملائكة أفضل من عوامّ البشر، أي: المؤمنين منهم. وعوامّ المؤمنين من البشر أفضل من عوامّ الملائكة.

والدليل على تفضيل البشر على الملائكة ابتداء؛ أنّهم قهروا نوازع الهوى في ذات الله تعالى، مع أنّهم جبلوا عليها، فضاهت الأنبياء عليهم السّلام الملائكة في العصمة، وتفضّلوا عليهم في قهر البواعث النفسانية، والدّواعي الجسدية، فكانت طاعتهم أشقّ؛ لكونها مع الصوارف بخلاف طاعة الملائكة؛ لأنّهم جبلوا عليها، فكانت أزيد ثوابا بالحديث. انتهى خازن، ونسفي بتصرف.

الإعراب: {لَنْ:} حرف نفي، ونصب، واستقبال. {يَسْتَنْكِفَ:} فعل مضارع منصوب ب‍ {لَنْ}. {الْمَسِيحُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب، واستقبال. {يَكُونَ:} فعل مضارع ناقص منصوب ب‍ {أَنْ} واسمه ضمير مستتر يعود إلى: {الْمَسِيحُ}. {عَبْداً:} خبره، والمصدر المؤول منه، ومن ناصبه في محل جرّ بحرف جرّ محذوف، التقدير: من كونه عبدا، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {لِلّهِ:} متعلقان بمحذوف صفة: {عَبْداً}. {وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): زائدة لتأكيد النفي.

{الْمَلائِكَةُ:} معطوف على: {الْمَسِيحُ}. {الْمُقَرَّبُونَ:} صفة: {الْمَلائِكَةُ} مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنّه جمع مذكر سالم، والنّون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

هذا؛ ولم يسوغ الجمل تبعا للجلال العطف على: {الْمَسِيحُ} وقال الجمل: إذ لا يصح الإخبار عن الملائكة ب‍ {عَبْداً؛} لأنّه مفرد، واعتبراه مبتدأ، وخبره محذوفا، التقدير: ولا الملائكة المقرّبون عند الله يستنكفون أن يكونوا عبيدا لله، فتكون الجملة الفعلية هذه في محل رفع خبر: {الْمَلائِكَةُ} وتكون الجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية، لا محلّ لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>