{تَعْدِلُوا} أي: ولا يحملنّكم عداوة قوم، وبغضهم على عدم العدل، وعلى الجور. وهذا يشمل كلّ ما يقع بين الناس من عداوة، سواء أكانوا مسلمين جميعا، أم مسلمين، وكافرين، وإن نزلت الآية بشأن عداوة الكافرين للمسلمين، فأمر الله المؤمنين بالعدل مع المشركين الذين ناصبوهم العداء، فلا ينقضوا لهم عهدا، ولا يقتلوا نساء، وصبية، وشيوخا تشفيا ممّا في قلوبهم من الغيظ. هذا و (الشنآن): البغض، والعداوة، كما رأيت في الآية رقم [٢]، وهو مصدر من:
شنأته، أشنؤه، شنآنا-بالتّحريك-وقال ابن جرير: من العرب من يسقط التحريك في (شنآن)، فيقول: شنان ولم أعلم أحدا قرأ بها، ومنه قول الشاعر:[الطويل]
وما العيش إلاّ ما تحبّ وتشتهي... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
{عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا} انظر الآية رقم [١٣٥] من سورة (النساء) فإنّه جيد، والحمد لله!. {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} أي: عدلكم أقرب للتقوى من تركه. ودلّ الفعل على المصدر الّذي عاد عليه الضمير، كما في قوله تعالى في سورة (النور): {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ} وقوله تعالى: {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} من باب استعمال أفعل التفضيل في المحلّ الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء، كما في قوله تعالى في سورة (الفرقان): {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} وكقول بعض الصّحابيّات لعمر-رضي الله عنه-: أنت أفظّ، وأغلظ من رسول الله، ومعلوم: أنّه صلّى الله عليه وسلّم منزّه عن الفظاظة، والغلظة. {وَاتَّقُوا اللهَ:} خافوه، واحذروا عقابه.
{إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} أي: وسيجزيكم على ما علم من أعمالكم الّتي عملتموها إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ. هذا، وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: وفي هذا تنبيه عظيم على أنّ العدل إذا كان واجبا مع الكفار؛ الّذين هم أعداء الله، وكان بهذه الصّفة من القوّة، فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الّذين هم أولياؤه، وأحباؤه.
بل كيف بوجوبه مع أهل بيته، أي: أولاده، وزوجته؟! وقد ثبت في الصّحيحين عن النّعمان ابن بشير-رضي الله عنهما-: أنّه قال: نحلني أبي نحلا، فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاءه يشهده على صدقتي، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«أكلّ ولدك نحلت مثله؟» قال: لا! قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم». وقال:«إنّي لا أشهد على جور». قال:
فرجع أبي، فردّ تلك الصّدقة. وخذ ما يلي:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن-وكلتا يديه يمين-؛ الّذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا». رواه مسلم، وغيره.
الإعراب:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [١]. {كُونُوا:} فعل أمر ناقص مبني على حذف النون؛ لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة اسمه، والألف للتفريق.