وعليه ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ و «الأبد» عبارة عن الزمان الطويل؛ الذي لا انقطاع له، ولا يتجزأ مثل غيره من الأزمنة؛ لأنّه لا يقال: أبد كذا، كما يقال: زمن كذا، فإذا قلت: لا أكلمك أبدا، فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر.
{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ:} وصفوا الله بالذّهاب، والانتقال، والله متعال عن ذلك. {إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ:} قالوا ذلك استهانة، واستخفافا بالله، وبنبيّه موسى، عليه السّلام. ولا وجه لما قيل:
إنّ المراد ب:(ربّك): أخوك، وهو هارون؛ لأنّه كان أكبر من موسى، وكان موسى يطيعه.
وقال النسفي: من العلماء من حمله على الظّاهر، وقال: إنّه كفر منهم، وليس كذلك؛ إذ لو قالوا ذلك اعتقادا، وكفرا به؛ لحاربهم موسى، ولم تكن مقاتلة الجبّارين أولى من مقاتلة هؤلاء، ولكن الوجه فيه أن يقال: اذهب أنت وربك يعينك على قتالهم، قال الخازن: لكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التأويل، والأصح: أنّهم قالوا ذلك جهلا منهم بالله، وبصفاته، ومنه قوله تعالى:{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
تنبيه: ما أكبر الفارق بين أصحاب موسى، وأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهم يوم بدر حين استشارهم في قتال النّفير، فتكلّم أبو بكر-رضي الله عنه-فأحسن، ثمّ تكلّم من تكلّم من الصحابة من المهاجرين، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«أشيروا عليّ أيّها النّاس» وما يقول ذلك إلا يستعلم به ما عند الأنصار؛ لأنّهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ-رضي الله عنه-: كأنّك تعرض بنا يا رسول الله! فو الذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته؛ لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، وإنّا لصبر في الحرب، صدق في اللّقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله! فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقول سعد-رضي الله عنه-، ونشّطه ذلك. وممّن أجاب يومئذ المقداد بن عمرو الكندي-رضي الله عنه-، كما قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليّ مما عدل به: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يدعو على المشركين يوم بدر، فقال: يا رسول الله! إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ} ولكن امض، ونحن معك، نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك، ومن خلفك. فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشرق لذلك، وسرّه ذلك. أخرجه البخاري.
الإعراب:{قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها:} انظر إعراب هذا الكلام في الآية رقم [٢٤]، {أَبَداً:} ظرف زمان متعلّق بالفعل قبله. {ما:} ظرفية مصدرية. {دامُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر: «دام» التقدير: ما داموا موجودين فيها، و {ما} والفعل: (دام) في تأويل مصدر في محل نصب على الظرفية الزمانية،