للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و (الحق) ضدّ الباطل، قال الرّاغب-رحمه الله تعالى-: أصل الحق: المطابقة، والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على الاستقامة، و (الحقّ) يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة. ذلك؛ ويقال: فعل الله كلّه حق، نحو: الموت حقّ، والحساب حقّ، والجزاء حق... إلخ، ويقال للاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشّيء في نفسه، نحو: اعتقاد زيد في الجنة حقّ. وللفعل، والقول الواقعين بحسب ما يجب، وقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، نحو: قولك حقّ، وفعلك حق، ويقال: أحققت ذا؛ أي: أثبته حقا، أو حكمت بكونه حقّا. انتهى. بغدادي.

{قُرْباناً:} هو اسم لما يتقرّب به إلى الله تعالى، من ذبيحة، أو صدقة، أو صوم... إلخ، وقيل: هو مصدر، ولذا فإنّه لم يثنّ، أي: لم يقل: قربانين؛ مع كونهما اثنين. {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما:} وهو هابيل، وانظر شرح (أحد) في الآية رقم [١٥٢] من سورة (النساء)، فرفع قربان هابيل إلى الجنة، فلم يزل فيها إلى أن فدي به الذّبيح إسماعيل عليه السّلام. {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ:} هو قابيل. {قالَ:} أي: قابيل. {لَأَقْتُلَنَّكَ:} توعّد أخاه هابيل بالقتل لفرط حسده على تقبّل قربانه. {قالَ} أي: هابيل. {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أي: تقبل الله قرباني لحسن نيّتي، وتقواي. وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه؛ لخبث نيّته، وسوء فعله.

تنبيه: روي: أنّ حوّاء-عليها السّلام-كانت تلد لآدم-عليه السّلام-بعد هبوطها من الجنة في كل بطن غلاما، وجارية إلا «شيثا» عليه السّلام، فإنّها وضعته مفردا عوضا عن هابيل بعد قتله، وجملة أولادهما تسعة وثلاثون في عشرين بطنا، عشرون من الذكور، وتسعة عشر من الإناث أوّلهم قابيل، وتوأمته إقليما، وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أم المغيث، ثم بارك الله في نسل آدم، فلم يمت؛ حتى رأى ولده، وولد ولده قد بلغوا أربعين ألفا، وكان إذا كبر أولاده؛ زوّج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر؛ لأنّه لم يكن نساء إلا أخواتهم، واستمرّ ذلك حتّى عهد نوح، عليه الصّلاة، والسّلام، فنسخ ذلك بتحريم الأخت مطلقا.

فلمّا كبر قابيل، وهابيل، وكان الأوّل أكبر من الثاني بسنتين أمر آدم أن يزوج قابيل لبودا أخت هابيل، وأن يزوج هابيل إقليما أخت قابيل، وكانت أجمل من لبودا، فذكر آدم ذلك لهما، فرضي هابيل، وسخط قابيل، وقال: هي أختي، وأنا أحق بها، فقال له أبوه: إنّها لا تحلّ لك.

فأبى، وقال: إن الله لم يأمرك بهذا، وإنّما هو رأيك، فقال لهما: قربا لله قربانا، فأيكما تقبّل قربانه؛ فهو أحق بها، وكانت القرابين إذا قبلت؛ نزلت نار بيضاء من السماء فأكلتها، وإن لم تكن مقبولة؛ لم تنزل النار، بل تأكلها الطيور، والسباع، فخرجا من عند آدم؛ ليقربا القربان، وكان قابيل صاحب زرع، فقرب صبرة من طعام رديء، وأضمر في نفسه: لا أبالي: قبل، أم لم يقبل؟ لا يتزوج أختي أحد غيري، وكان هابيل صاحب غنم، فعمد إلى أحسن كبش في غنمه،

<<  <  ج: ص:  >  >>