{فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ:} يعني: على حمله، لا على قتله. وقيل: إنّه ندم على قتل أخيه؛ لأنّه لم ينتفع بقتله، وسخط عليه أبواه، وإخوته، فندم لأجل ذلك، لا لأجل أنّه جنى جناية، واقترف ذنبا عظيما بقتله، فلم يكن ندمه ندم توبة، وخوف، وإشفاق من قتله، فلأجل ذلك لم ينفعه الندم. هذا؛ والغراب طائر أسود يتشاءم النّاس به. ويجمع على: أغرب، وغرب، وأغربة، وجمع الجمع: غربان.
خاتمة: قال أصحاب الأخبار: لمّا قتل قابيل أخاه هابيل؛ تركه بالعراء، ولم يدر ما يصنع به؛ لأنّه أول ميت من بني آدم، فقصدته السّباع لتأكله، فحمله على ظهره في جراب؛ حتى أنتن، فبعث الله غرابين، فاقتتلا؛ حتى قتل أحدهما الآخر، فحفر بمنقاره، ورجليه حفيرة، ثم ألقاه فيها، وواراه التراب، وقابيل ينظر، فلمّا رأى ذلك من فعل الغراب؛ قال: يا ويلتى... إلخ:
فأصبح من النادمين على حمله، لا على قتله، فلم يكن ندمه ندم توبة وخوف من فعله، فلأجل هذا لم ينفعه الندم.
وأمّا قابيل؛ فذهب طريدا شريدا، وأخذ بيد أخته إقليما، وهرب بها إلى أرض اليمن كما قدّمته، وعبد النّار، وفعلت ذريته من بعده الفواحش، والمنكرات حتى أغرقهم الله جميعا بالطّوفان في زمن نوح، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، فلم يبق من ذرية قابيل أحد، وأبقى الله ذرية شيث، ونسله إلى يوم القيامة.
ولمّا مات قابيل؛ علقت إحدى رجليه بفخذه، وعلق بها، فهو معلق بها إلى يوم القيامة، وجهه إلى الشمس حيث دارت، وعليه حظيرة من نار في الصّيف، وخطيرة من ثلج في الشتاء، فهو يعذب بذلك إلى يوم القيامة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{فَبَعَثَ:} الفاء: حرف استئناف. (بعث الله غرابا): ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها. {يَبْحَثُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:{غُراباً}.
{فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب صفة:{غُراباً}.
{لِيُرِيَهُ:} اللام: حرف جر وتعليل. (يريه): مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى:{اللهُ} على المعتمد، وقيل: إلى (الغراب)، والهاء مفعول به أول، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبله:(بعث)، ويكون الفاعل عائدا إلى:{اللهُ،} أو بالفعل: {يَبْحَثُ} فيكون الفاعل عائدا إلى: (الغراب). {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من فاعل:
{يُوارِي} بعده، الذي هو فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدّرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى «قابيل». {سَوْأَةَ:} مفعول به، وهو مضاف. و {أَخِيهِ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنّه من الأسماء الخمسة، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية:{كَيْفَ يُوارِي..}. إلخ في محل نصب مفعول به ثان للفعل:(يري).