للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصلها تورية على وزن: تفعلة التاء زائدة، وتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وقيل:

التوراة مأخوذة من التّورية، وهي التّعريض بالشّيء، والكتمان لغيره؛ لأنّ أكثر التوراة معاريض، وتلويحات من غير تصريح، وإيضاح. هذا قول المؤرج، والجمهور على القول الأول، لقوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٤٨]: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ}.

هذا؛ وأنثت التوراة نظيرة ل‍: موماة، ودوداة ونحوها في كلام العرب.

{وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ} أي: أنزلنا عليه الإنجيل، وهو يذكّر، ويؤنّث، فمن أنّث أراد الصّحيفة، ومن ذكّر أراد الكتاب، وهو الأكثر، ويجمع على: أناجيل، وتجمع التوراة على توار، وهو مشتقّ من النّجل، وهو الأصل، كأنّه أصل الدّين، يرجع إليه، ويؤتمّ به، ومنه سمّي الولد، والنسل: نجلا لخروجه من والديه، كما قال الشاعر: [الطويل]

إلى معشر لم يورث اللّؤم جدّهم... أصاغرهم وكلّ فحل له نجل

ويقال: لعن الله أناجيله، يعني: والديه؛ إذ كانا أصله، ويقال: [المحدث]

بئس النّجل ما نجلا

هذا؛ وقد يسمى القرآن: إنجيلا أيضا، كما روي في قصّة موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: أنّه قال: يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم في صدورهم، فاجعلهم أمّتي! فقال الله عزّ وجل له: تلك أمّة أحمد يا موسى! وإنما أراد بالأناجيل: القرآن. هذا والإنجيل خال من الأحكام. وخاصّة المواريث، وقد دخل الإنجيل التحريف، والتزييف، كما دخلا التوراة، وما إنجيل متّى، ومرقس... إلخ إلا من اختراعهم، وابتداعهم.

{فِيهِ هُدىً وَنُورٌ} انظر الآية رقم [٤٤]، وأصل: {هُدىً:} هدي-بضم الهاء، وفتح الدال، وتحريك الياء منونة-فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الألف والتنوين، الذي يرسم ألفا في حالة النصب بحسب الأصل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار: هدى وإنّما أتوا بياء أخرى لتدلّ على الياء المحذوفة، بخلاف ما إذا لم يأتوا بها. وقالوا: هدا، فلا يوجد ما يدلّ عليها. وهذا الإعلال يجري في كلّ اسم مقصور مجرّد من ال، والإضافة.

{وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:} فالهدى بيان طريق الرّشد المأمور بسلوكه دون طريق الغيّ، والموعظة: هي الكلام الذي يفيد الزّجر عمّا لا ينبغي في طريق الدّين، والأخلاق. وإنّما خص المتقين بالهدى، والموعظة؛ لأنّهم هم المنتفعون بهما دون غيرهم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: (قفينا): فعل، وفاعل. {عَلى آثارِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جرّ بالإضافة. {بِعِيسَى... :} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدّرة على الألف للتعذر، والجار والمجرور في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على

<<  <  ج: ص:  >  >>