ورسله، واليوم الآخر، وكلّ ذلك جاءت به الرّسل من عند الله، ولم يختلفوا فيه. وأمّا الآيات الدّالّة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع، وما يتعلّق بظواهر العبادات، فجائز أن يتعبّد الله عباده في كلّ وقت بما يشاء. فهذه طريق الجمع بين هذه الآيات، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. واحتجّ بهذه الآية من قال: إنّ شرع من قبلنا لا يلزمنا؛ لأنّ قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} يدلّ على أنّ كلّ رسول جاء بشريعة خاصّة، فلا يلزم أمّة رسول الاقتداء بشريعة رسول آخر. انتهى. خازن.
{وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} أي: جماعة متّفقة على شريعة واحدة، ودين واحد، لا اختلاف فيه في جميع الأعصار من غير نسخ، وتبديل. {وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ:} ولكن فرّقكم، وجعلكم شيعا؛ ليختبركم فيما آتاكم من الشّرائع المختلفة، وليظهر المطيع منكم، والعاصي، والموافق، والمخالف. {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ:} سارعوا إليها انتهازا للفرصة، وحيازة لفضل السّبق، والتقدّم. وفيه استعارة حيث شبه الطّائعين المسارعين إليها بالمتسابقين على ظهور الخيل؛ إذ كلّ واحد ينافس صاحبه في السّبق لبلوغ الغاية المقصودة. {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} أي: ترجعون إلى الله جميعا، وذلك بالموت الذي قهر به العباد، وحكم به على كلّ مخلوق، قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ...}. {فَيُنَبِّئُكُمْ..}. إلخ: انظر الآية رقم [١٤] ففيها الكفاية، وخذ قول أبي العتاهية الصّوفي-رحمه الله تعالى-: [الوافر]
فلو أنّا إذا متنا تركنا... لكان الموت راحة كلّ حيّ
ولكنّا إذا متنا بعثنا... ونسأل بعد ذا عن كلّ شيء
الإعراب:{وَأَنْزَلْنا:} الواو: حرف عطف. (أنزلنا): فعل، وفاعل. {إِلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْكِتابَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على مثلها في الآية رقم [٤٤] فهي في محلّ رفع مثلها. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من الكتاب، أي: ملتبسا بالحقّ. {مُصَدِّقاً:} حال ثانية من: {الْكِتابَ،} وقيل: من الضّمير المستتر بقوله: {بِالْحَقِّ}.
{لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ:} انظر إعراب هذه الكلمات في الآية رقم [٤٦]. {وَمُهَيْمِناً:}
معطوف على:{مُصَدِّقاً}. {عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان به.
{فَاحْكُمْ:} الفاء: هي الفصيحة. (احكم): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت.
{بَيْنَهُمْ:} ظرف مكان متعلّق بما قبله، والهاء في محل جرّ بالإضافة. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل (احكم)، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية ضعيفة. {أَنْزَلَ اللهُ:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: فاحكم بينهم بالذي، أو: بشيء أنزله الله، وجملة:(احكم...) إلخ لا محلّ لها؛