للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبحرف الجر، تقول: شكرته، وشكرت له. كما تقول: نصحته، ونصحت له، وباللام أفصح. هذا؛ ومن أسماء الله تعالى (الشّكور) ومعناه: هو الذي يجازي على يسير الطاعات كثير الدرجات، ويعطي بالعمل في أيام معدودة نعما في الآخرة غير محدودة. وخذ ما قيل في معنى الشّكر لله:

فقال سهل بن عبد الله: الشّكر: الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السرّ، والعلانية. وقالت فرقة أخرى: الشّكر: هو الاعتراف في تقصير الشّكر للمنعم، ولذلك قال تعالى: {اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} سورة (سبأ) رقم [١٣] فقال داود-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: يا رب! كيف أشكرك يا رب؛ والشّكر نعمة منك عليّ؟ قال: الآن عرفتني، وشكرتني؛ إذ قد عرفت أن الشكر منّي نعمة عليك. وقال موسى عليه السّلام: كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك، لا يجازى بها عملي كلّه، فأوحى الله إليه: يا موسى الآن شكرتني. وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: الشّكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان، والإفضال. انتهى قرطبي بتصرف.

هذا؛ وشكر الله يستوجب المزيد من النعم، قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وجحدها يستوجب سلبها، وردها بها. قال تعالى في الآية نفسها رقم [٧]: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ}. لذا قيل: الشكر قيد النّعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة، وينبغي أن تعلم: أن فائدة الشكر تعود على الشاكر نفسه، قال تعالى في سورة (النّمل) رقم [٤٠]: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} وقال جل ذكره في سورة (لقمان) رقم [١٢]: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}. هذا؛ والشكر مطلوب لكل منعم، ومحسن، ولو كان من البشر؛ لذا فقد ندبنا الرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي عطاء، فوجد؛ فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإنّ من أثنى؛ فقد شكر، ومن كتم؛ فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعط؛ كان كلابس ثوبي زور». الترمذي. وعن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا؛ فقد أبلغ في الثّناء».

وعن النّعمان بن بشير-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله، والتّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب». وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يشكر الله من لا يشكر النّاس». قال الخطابي-رحمه الله تعالى: هذا الكلام يتأوّل على معنيين: أحدهما: أنّ من كان طبعه كفران نعمة الناس، وترك الشكر لمعروفهم؛ كان من عادته كفران نعم الله عز وجل، وترك الشكر له.

والوجه الآخر: أنّ الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه، إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه، ويكفر معروفهم؛ لاتصال الأمرين بالآخر، ورحم الله من قال: [الطويل]

ومن لم يؤدّ الشّكر للناس لم يكن... لإحسان ربّ النّاس يوما بشاكر

<<  <  ج: ص:  >  >>