للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّا إن اتّبعناك؛ اتبعتنا اليهود، ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فنتحاكم إليك، فاقض لنا عليهم؛ نؤمن بك، ونصدقك. فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وإنّما حذّره ربه، وهو رسول معصوم مأمون؛ لقطع أطماع اليهود اللّؤماء. هذا؛ وقيل: المعنى: أن يفتنوك عن كلّ ما أنزل الله إليك، والبعض يستعمل بمعنى الكل، والمعتمد الأوّل، وإنّ المراد به: الرّجم، أو الحكم الذي كانوا أرادوه، ولم يقصدوا أن يفتنوه عن الكلّ.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا:} فإن أعرضوا عن الحكم بما أنزل الله إليك، وأرادوا غيره. {فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ..}. إلخ؛ أي: فاعتقد أنّ الله يعاقبهم ببعض ذنوبهم. وهذا يشير: أنّ لهم ذنوبا كثيرة. وفيه تعظيم الذنوب، فإنّ بعضها مهلك، فكيف بكلّها؟! هذا؛ وقد أصابهم في الدّنيا ببعض ذنوبهم بالجلاء، والجزية، والقتل، ولعذاب الآخرة أشدّ، وأبقى. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ:}

المراد: اليهود؛ لأنّهم ردّوا حكم الله تعالى، وما أكثر الفاسقين في هذا الزّمن من الذين يدّعون الإسلام، والإيمان!.

هذا؛ و «تولى» تفعّل، وأصله: الإعراض، والإدبار عن الشّيء بالجسم، ثمّ استعمل في الإعراض عن الأوامر، والأديان، والمعتقدات اتّساعا، ومجازا، وانظر الآية رقم [٥٦] الآتية.

هذا؛ وأصل «الفتنة»: الاختبار، ثمّ يختلف معناها، فقوله تعالى هنا: {يَفْتِنُوكَ} معناه:

يصدّوك، ويردّوك عن الحقّ. وتكون الفتنة بمعنى الشرك، كقوله تعالى في سورة (البقرة) الآية رقم [١٩١]: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ،} ورقم [٢١٧]: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ،} ورقم [١٩٣]:

{وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وهي في (الأنفال) برقم [٣٩]، ولها معان أخر بحسب موقعها من الجملة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَأَنِ:} الواو: حرف عطف. (أن): حرف مصدري، ونصب. {اُحْكُمْ:} فعل أمر في محل نصب ب‍: (أن) وفاعله مستتر تقديره: أنت، والمصدر المؤوّل منهما في محلّ نصب معطوف على: {الْكِتابَ} في الآية السابقة، التقدير: أنزلنا إليك الكتاب، والحكم. وقيل:

معطوف على {الْحَقِّ} فهو في محل جرّ، وقيل: (أن) مفسّرة، وهناك فعل محذوف، التقدير:

وأمرناك، ثمّ فسّر هذا الأمر ب‍: (احكم) ولا بأس به، وعليه فالجملة الفعلية معطوفة على جملة:

(أنزلنا...) إلخ. {بَيْنَهُمْ:} ظرف مكان متعلّق بما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} انظر إعراب هذه الكلمات في الآية السّابقة. {وَاحْذَرْهُمْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر فيه، تقديره: «أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {أَنِ:}

حرف مصدري، ونصب. {يَفْتِنُوكَ:} فعل مضارع منصوب ب‍: {أَنِ} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والكاف مفعول به، والمصدر المؤوّل منهما بدل اشتمال من: (هم) أي: احذرهم فتنتهم، أو هو مفعول لأجله على حذف مضاف. التقدير:

<<  <  ج: ص:  >  >>