للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ:} (عسى) ليست هنا للترجّي، وإنّما هي للتحقيق. قال المفسّرون:

(عسى) من الله واجب؛ لأنّ الكريم إذا أطمع في خير؛ فعله، وهو بمنزلة الوعد؛ لتعلّق النفس به، ورجائها له. والمعنى: فعسى أن يأتي الله بالفتح لرسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم على أعدائه، وإظهار دينه على الأديان كلّها. وقيل: أراد فتح مكة، وقيل: أراد فتح قرى اليهود، مثل: خيبر، وفدك، ونحوهما من بلادهم. {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ:} قال السدي: يعني: ضرب الجزية على اليهود، والنصارى. وقيل: المعنى: إنّ الله تعالى يقطع أصل اليهود من أرض الحجاز، ويخرجهم من ديارهم بلا كلفة، وتعب، كما ألقى الرعب في قلوبهم، فتركوا أصل ديارهم، وخرّبوها بأيديهم، ورحلوا إلى الشّام.

{فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا..}. إلخ. أي: فيكون المنافقون نادمين على إسرارهم الكفر في قلوبهم فضلا عمّا ظهر على ألسنتهم من كلمات الكفر، وذلك إذا رأوا نصر الله للمؤمنين، أو إذا عاينوا العذاب عند الموت. هذا؛ و (يصبح) ليس على بابه من التوقيت في الصّباح، وإنّما هو بمعنى:

يصير، أو يكون.

هذا؛ و (ترى) ماضيه: رأى، فالقياس: ترأى، وقد تركت العرب الهمز في مضارعه لكثرته في كلامهم، وربما احتاجت إلى همزه، فهمزته، كما في قول سراقة بن مرداس البارقي-وهو الشاهد رقم [٥٠٤] من كتابنا: «فتح القريب» -: [الوافر]

أري عينيّ ما لم ترأياه... كلانا عالم بالتّرّهات

وربّما جاء ماضيه بغير همز، وبه قرأ نافع في: «(أرأيتكم)» و «(أرأيت)»: «(أرايتكم)» و «(أرايت)» بدون همز، قال الشاعر: [الخفيف]

صاح هل ريت أو سمعت براء... ردّ في الضّرع ما قرى في الحلاب

وإذا أمرت منه على الأصل؛ قلت: أرء، وعلى الحذف: ره بهاء السكت، وقل في إعلال (ترى): أصله: ترأي، قلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ثمّ حذفت الهمزة بعد إلقاء حركتها على الرّاء للتخفيف.

الإعراب: {فَتَرَى:} الفاء: حرف استئناف. (ترى): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدّرة على الألف للتعذّر، والفاعل مستتر تقديره: أنت. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أوّل. {فِي قُلُوبِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول والهاء في محل جر بالإضافة. {مَرَضٌ:} فاعل بمتعلق الجار والمجرور، والتقدير: ترى الذين استقرّ في قلوبهم مرض. هذا؛ وإن اعتبرت الجار والمجرور متعلّقين بمحذوف خبر مقدّم و {مَرَضٌ:} مبتدأ مؤخر؛ فعليه تكون الجملة الاسمية صلة الموصول، لا محلّ لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>