للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَوْلِياءَ:} أنصارا، وأعوانا، قال ابن خويز منداد، هذه الآية مثل قوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ..}. إلخ رقم [٥١]، وقوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١١٨]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ..}. إلخ، فقد تضمّنت الآيات هنا، وهناك المنع من التأييد، والانتصار بالمشركين، وأهل الكتاب، روى جابر-رضي الله عنه-: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أراد الخروج إلى أحد؛ جاءه قوم من اليهود، فقالوا: نسير معك، فقال سيد الخلق، وحبيب الحقّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لا نستعين على أمرنا بالمشركين». ويروى: أنّ قيصر ملك الروم عرض مساعدته لمعاوية في حربه مع عليّ -رضي الله عنه-، فقال معاوية: والله لو قطّعت إربا، إربا لا أستعين بكافر على مسلم.

(اتقوا الله): خافوه. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} حقّا؛ لأنّ المؤمن الحقّ يأبى موالاة أعداء الله، ومناصرتهم، ومعاونتهم. وانظر شرح الإيمان في الآية رقم [١٣٦] من سورة (النساء)، وانظر شرح (اتقوا) في الآية [٣٢] من هذه السورة. هذا؛ و «الدّين» اسم لجميع ما يتعبّد به الله تعالى، و «الدّين»: الملة، والشريعة، ومنه قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ}. و {يَوْمِ الدِّينِ:} يوم الجزاء، والحساب؛ الّذي يحاسب الله الناس فيه على أعمالهم. هذا؛ ويطلق «الدّين» على العادة، والشأن، والحال، ومنه قول امرئ القيس في معلّقته: [الطويل]

كدينك من أمّ الحويرث قبلها... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل

هذا؛ و «الدّين» بفتح الدال: القرض المؤجّل، وجمع الأوّل: أديان، وجمع الثاني: ديون، وأدين. والدينونة: القضاء، والحساب، ومنه: كما تدين تدان، والدّيانة: اسم لجميع ما يتعبد به الله تعالى.

هذا وأصل «اتخذتم»: ائتخذتم من: الأخذ، ووزنه: افتعلتم، سهلت الهمزة الثانية لامتناع همزتين، فصار: «ايتخذتم» فاضطربت الياء في التصريف، فصارت ألفا في (ياتّخذ) وواوا في (موتخذ) فأبدلت بحرف ثابت من جنس ما بعدها، وهي التاء، ثمّ أدغمت التاء في التاء، ثم اجتلبت ألف الوصل للنّطق بها، وقد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلام التقرير، كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٨٠]: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً} فاستغنى عن ألف الوصل بألف التقرير، ومنه قول ذي الرّمّة: [البسيط]

أستحدث الرّكب عن أشياعهم خبرا... أم راجع القلب من أطرابه طرب؟

ومثله قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٧٨]: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً}. وقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٥٣]: {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ}. وقوله تعالى في سورة (محمد) رقم [٧٥]: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}. وقوله جلّت حكمته في سورة (المنافقون) رقم [٦]: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}. انظر شرح هذه الآيات في محالّها.

<<  <  ج: ص:  >  >>