{يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ:} قال الحسن-رحمه الله تعالى-: الربّانيون: أهل الإنجيل.
والأحبار: أهل التوراة. وقال غيره: كلهم من اليهود؛ لأنّ الكلام متّصل بذكرهم، وانظر شرحها، وتفسيرها في الآية رقم [٤٤]. {عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ} أي: الكذب. وانظر شرحه في الآية رقم [٢]{وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} مثل الآية السابقة. {لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ:} هو أبلغ من قوله:
{يَعْمَلُونَ} في الآية السابقة، من حيث: أنّ الصنع عمل الإنسان بعد تدرّب، وتروّ فيه، وتحرّي إجادة، ولذلك ذمّ به خواصهم بينما في الآية السابقة ذمّ به عوامهم. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: هي أشدّ آية في القرآن؛ حيث أنزل تارك النّهي عن المنكر منزلة مرتكب المنكر في الوعيد. وهذه الآية، والآيتان قبلها في ذمّ اليهود المعاصرين للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الآية رقم [٦٠]؛ فإنّها في ذمّ السّابقين منهم.
هذا؛ وقال ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر، قال: خطب عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الربّانيّون، والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي؛ أخذتهم العقوبات.
فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم، واعلموا: أنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا، ولا يقرّب أجلا.
وروى أبو داود عن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيّروا عليه، فلا يغيّروا؛ إلاّ أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا». وإن أردت الزيادة فانظر الآية رقم [١٠٤ و ١١٠] من سورة (آل عمران) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. هذا؛ وقد تضمنت الآية الكريمة توبيخ العلماء والعبّاد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله تعالى. وأنشد عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:[المتقارب]
الإعراب:{لَوْلا:} حرف تحضيض. {يَنْهاهُمُ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء مفعول به. {الرَّبّانِيُّونَ:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنّه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية. {وَالْأَحْبارُ:} معطوف على ما قبله. {عَنْ قَوْلِهِمُ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. {الْإِثْمَ:} مفعول به للمصدر. {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ:} معطوف على ما قبله، وإعرابه مثله بلا فارق. {لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ:} إعراب هذا الكلام مثل ما قبله في الآية السّابقة بلا فارق.