للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ}. وبالجملة في الكلام استعارة عن سبوغ النّعم، وتوسعة الرزق عليهم، قال تعالى في سورة (لقمان): {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً}.

{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} أي: من أهل الكتاب جماعة معتدلة مستقيمة غير غالية، ولا مقصّرة، وهم الذين آمنوا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، كعبد الله بن سلام، والنّجاشي، وسلمان الفارسي، ومن تبعهم من أهل الكتاب. قال تعالى في سورة (الأعراف). {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}. {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ} أي: بئس ما يعملونه، فيه معنى التعجّب، والذّم، أي: ما أسوأ عملهم! وهو المعاندة، وتحريف الحقّ، والإفراط في العداوة.

هذا؛ و: {أُمَّةٌ} المراد بها هنا: جماعة، وتكون واحدا إذا كان يقتدى به، كقوله تعالى في حق إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً} سورة (النّحل). وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في زيد بن عمرو بن نفيل: «يبعث أمّة وحده» لأنّه لم يشرك في دينه غيره. والأمّة: الطريقة، والملّة، والدين، كقوله تعالى حكاية عن قول المشركين: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} وكل جنس من الحيوان أمّة، كقوله تعالى في سورة (الأنعام): {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} ويستدلّ بهذه الآية من يقول بتناسخ الأرواح. والأمّة: الحين، والوقت. كقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد وقت، وحين، والأمّة: الشّجّة التي تبلغ الدماغ، يقال: رجل مأموم، وأيم. والأمّة: القامة، يقال: فلان حسن الأمّة، أي: القامة، قال الشاعر: [المتقارب]

وإنّ معاوية الأكرمين... حسان الوجوه طوال الأمم

تنبيه: بينات الآية الكريمة، وما قبلها: أنّ اليهود عوقبوا في الدّنيا بالفقر، وضيق العيش، فلا يرد كون كثير من المتّقين العاملين بطاعة الله في غاية الضّيق، فالتوسّع في الرزق، والتضييق ليسا من الإكرام، والإهانة، ولكنّ الله تعالى يجعل ضيق الرزق كسعته نعمة في بعض عباده، ونقمة على آخرين، فلا يلزم من توسيع الرّزق الإكرام، ولا من تضييقه الإهانة. انتهى. جمل نقلا من كرخي.

هذا؛ وبيّن الله في غير ما آية أنّه يختبر عباده بالخير، والشر، والنعم، والنقم، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٦٨]: {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقال جلّ ذكره في سورة (الأنبياء): {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} وأحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كثيرة في ذلك، فمن اطّلع عليها؛ يتبيّن له فضل الله على عبده المؤمن فيما يبتليه من ألوان الفتن، وضروب المحن. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>