أنّكم عليه ممّا جاءكم به موسى-عليه السّلام-، يا معشر اليهود! ولا ممّا جاءكم به عيسى-عليه السّلام-يا معشر النّصارى! فإنّكم أحدثتم، وغيّرتم ما أنزل الله في كتابكم. وفي هذا التعبير من التّحقير، والتّصغير ما لا غاية وراءه.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة من اليهود، منهم رافع بن حارثة، وسلاّم بن مشكم، ومالك بن الصّيف، ورافع بن حرملة، وقالوا: يا محمد! ألست تزعم: أنّك على ملّة إبراهيم، ودينه، وتؤمن بما عندنا من التّوراة، وتشهد: أنّها حق؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«بلى، ولكنّكم أحدثتم، وجحدتم ما فيها ممّا أخذ عليكم من الميثاق، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيّنوه للناس، فأنا بريء من إحداثكم». قالوا: فإنّا نأخذ بما في أيدينا، فإنّنا على الحقّ والهدى، ولا نؤمن بك، ولا نتّبعك، فأنزل الله:{قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} انظر الآية رقم [٦٦]. {وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ:} المراد به: القرآن، أو: كل الكتب السماوية، فيجب على اليهود، وعلى كلّ النّاس أن يعملوا بما فيها؛ إذا لم يطرأ عليها تغيير، أو تبديل.
{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ..}. إلخ: انظر الآية رقم [٦٤]. هذا؛ والطّغيان: مجاوزة الحدّ. يقال:
طغا، يطغى، ويطغو، طغيانا، وطغوانا: جاوز الحدّ، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ، قال تعالى في حقّ فرعون:{إِنَّهُ طَغى} أي: أسرف في الدّعوى؛ حيث قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى،} والمعنى في الآية: أنّ الله يزيد أهل الكتاب بسبب ما ينزل من آيات القرآن تمرّدا، وفسادا في الأرض. هذا؛ وطغى البحر: هاجت أمواجه. وطغى السيل: جاء بماء كثير. قال تعالى في سورة الحاقة:{إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}. {فَلا تَأْسَ..}. إلخ: انظر الآية رقم [٢٦] والمعنى هنا: فلا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم، وكفرهم بما تبلغه إليهم، فإنّ ضرر ذلك لاحق بهم، ولا يتخطّاهم، وفي المؤمنين مندوحة لك عنهم. ولم يقل: عليهم، وإنّما وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بشدّة الكفر، ورسوخه في قلوبهم.
هذا؛ و {لَسْتُمْ} حذفت عينه لالتقاء الساكنين: الياء، والسين؛ إذ أصل الفعل: ليس-بكسر الياء-ثمّ سكّنت للتّخفيف، ولم تقلب ألفا على القياس؛ لأنّ التخفيف بالتسكين في الجامد أسهل من القلب، فلمّا اتّصل بضمير رفع متحرك؛ سكّنت العين، فالتقى ساكنان: الياء والسين، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصار:(لستم).
الإعراب:{قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. (يا): أداة نداء. (أهل): منادى منصوب، وهو مضاف، و {الْكِتابِ:} مضاف إليه. {لَسْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {عَلى شَيْءٍ:} متعلّقان بمحذوف خبر (ليس). {حَتّى:} حرف غاية وجر بعدها «أن» مضمرة. {تُقِيمُوا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» المضمرة بعد: {حَتّى} وعلامة