للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضل: أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب بقولهم له في حضرته: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وضل: تحيّر، وهو أقرب ما يفسّر به قوله تعالى مخاطبا حبيبه صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الضّحى): {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}.

و: أضلّ، يضلّ غيره من الرّباعي، مصدره: الإضلال، فهو متعدّ، والثلاثي لازم، وهما في هذه الآية. ومصدر الثلاثي: الضلال، وهو الخروج عن جادة الحقّ، والانحراف عن الصراط المستقيم، وينبغي أن تعلم: أنّ طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، قال تعالى في سورة (الأنعام): {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وأمّا الضّلال؛ فطرقه كثيرة، ومتشعّبة. قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}. وقال الشاعر الحكيم: [البسيط]

الطّرق شتّى وطرق الحقّ واحدة... والسّالكون طريق الحقّ أفراد

لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم... فهم على مهل يمشون قصّاد

والنّاس في غفلة عمّا يراد بهم... فجلّهم عن سبيل الحقّ رقّاد

هذا؛ و «سواء» مصدر بمعنى الاستواء، فلذا صحّ الإخبار به عن متعدّد في كثير من الآيات، وقيل: هو بمعنى: مستو، وهو لا يثنّى، ولا يجمع. قالوا: هم سواء، فإذا أرادوا لفظ المثنى.

قالوا: سيّان، وإن شئت قلت: سواءان، وفي الجمع: أسواء، وهذا كلّه ضعيف، ونادر، وأيضا على غير القياس: هم سواس، وسواسية، أي: متساويان، ومتساوون. هذا؛ ويأتي أيضا بمعنى: الوسط، كما في قوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [٥٥]: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} ويأتي بمعنى: العدل، كما في قوله تعالى في الآية رقم [٥٨] من سورة (الأنفال):

{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} وسواء السبيل: ما استقام منه، كما في الآية التي نحن بصدد شرحها، وأيضا قوله تعالى في الآية رقم [١٠٨] من سورة (البقرة): {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} وسواء الجبل: ذروته، وسواء الشيء: غيره. قال الأعشى: [الطويل]

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي... وما عدلت عن أهلها لسوائكا

الإعراب: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ:} انظر الآية رقم [٦٨]. {لا:} ناهية جازمة. {تَغْلُوا:}

فعل مضارع مجزوم ب‍ (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتّفريق. {فِي دِينِكُمْ:} متعلقان بما قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة.

{غَيْرَ:} صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: لا تغلوا في دينكم غلوّا غير، وجوز اعتباره حالا من واو الجماعة؛ أي: غير محقّين. و {غَيْرَ:} مضاف، و {الْحَقِّ:} مضاف إليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>