كفر، وعصيان من عصى إذا كنتم مهتدين. ومن الاهتداء أن ينكر المسلم المنكر حسب طاقته، وإمكانه، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». أخرجه مسلم، وغيره عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
هذا؛ وقد قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: هل يدل ظاهر الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ قلت: لا يدل على ذلك، والذي عليه أكثر الناس: أن المطيع لربه عز وجل، لا يكون مؤاخذا بذنوب أصحاب المعاصي، فأما وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فثابت بدليل الكتاب والسنة. عن قيس بن حازم، عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-: أنه قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية {يا أَيُّهَا} .. {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ولا تضعونها موضعها، ولا تدرون ما هي؟ وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«إن الناس إذا رأوا ظالما، فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه». أخرجه الترمذي. وعن أبي أمية الشيباني، قال: سألت أبا ثعلبة الخشني، قلت: يا أبا ثعلبة! كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ؟} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله». رواه ابن ماجة، والترمذي، وأبو داود، وزاد، قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا، أو منهم، قال:«بل أجر خمسين منكم». وانظر الآية رقم [٨٢] و [٣/ ١٠٤]{إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً:} الرجوع إليه تعالى نوعان: خاص، وعام، فالأول يكون بموت الإنسان، وانتقاله من هذه الدنيا، والثاني يكون بالحشر، والنشر، والحساب، والجزاء. {فَيُنَبِّئُكُمْ:} انظر الآية رقم [١٥] وفي هذه الجملة وعد، ووعيد للفريقين، وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره.
تنبيه: قال سعيد بن جبير، ومجاهد-رحمهما الله تعالى-: نزلت هذه الآية في أهل الكتاب اليهود، والنصارى، والمعنى لا يضركم من ضل من أهل الكتاب، فخذوا منهم الجزية، واتركوهم. وقيل: إن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكافرين على كفرهم، فقيل لهم:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ،} واجتهدوا في صلاحها، لا يضركم ضلال الضالين، ولا جهل الجاهلين؛ إذا كنتم أنتم مهتدين. انتهى خازن.
الإعراب:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [١]{عَلَيْكُمْ:} اسم فعل أمر منقول عن الجار والمجرور، بمعنى احفظوا، أو الزموا أنفسكم، وفاعله ضمير مستتر فيه. {أَنْفُسَكُمْ} مفعول به لاسم الفعل، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية ابتدائية، لا محل لها كالجملة الندائية قبلها. {لا:} نافية. {يَضُرُّكُمْ:} مضارع مرفوع، أو هو مجزوم بجواب الطلب، أو هو