للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخذ قول لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-: [الطويل]

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب... لعلّك تهديك القرون الأوائل

والقرن بفتح القاف أيضا: الزيادة العظمية التي تنبت في رءوس بعض الحيوانات، والقرن الجبل الصغير، وذؤابة المرأة من الشعر، والقرن من القوم: سيدهم، ومن السيف حده، ونصله، وجمعه في كل ما تقدم: قرون، هذا؛ وهو بكسر القاف وسكون الراء: الكفؤ في الشجاعة والعلم وغيرهما، والجمع على هذا: أقران. {مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ:} جعلنا لهم فيها مكانا يستقرون فيه. أو أعطيناهم من القوى والآلات ما تمكنوا فيه من أنواع التصرف فيها، والمراد:

قوم عاد، وثمود، وفرعون، وغيرهم. {ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ:} الخطاب لأهل مكة، والمراد: ما لم نجعل لكم ما جعلنا لهم من قوة وطول. {وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ:} المطر، وأطلق المطر على السماء لنزوله منها. {مِدْراراً:} غزيرا كثيرا. {الْأَنْهارَ:} انظر الآية رقم [٥/ ٨٥]، والمراد بيان ما كان فيه أولئك الأقوام من خير ونعمة ورخاء. و {وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ..}. إلخ: خلقنا وأحدثنا من بعدهم ناسا غيرهم. والمعنى: كما أهلك الله من قبلكم، وأحدث غيرهم كذلك قادر الله على إهلاككم، وخلق غيركم. ففيه تهديد ووعيد لا يخفيان، هذا؛ و «مكّن» يتعدى بنفسه وبحرف الجر كما رأيته في الآية، مثل: نصحته، ونصحت له.

تنبيه: في الآية الكريمة التفات إلى الخطاب في: {لَكُمْ} الذي هو خطاب لأهل مكة عن الغيبة التي يقتضيها السياق في قوله: {أَلَمْ يَرَوْا:} فلو قال: ما لم نمكن لهم؛ لكان جاريا على الظاهر. هذا؛ والالتفات يكون أيضا من الخطاب إلى الغيبة، وعنهما إلى التكلم، وبالعكس، ومن المفرد إلى الجمع، وبالعكس، كما سأنبه عليه في محاله إن شاء الله تعالى، وله فوائد كثيرة، منها:

تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد. هذه فائدته العامة، ويختص كل موقع بنكت ولطائف باختلاف محله كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه: حث السامع، وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصصه بالمواجهة. انتهى جمل نقلا من كرخي.

الإعراب: {أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام وتقرير. (لم): حرف نفي وقلب وجزم. {يَرَوْا:}

مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {كَمْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم، وقال الجلال:

خبرية بمعنى: كثيرا، وجوز أبو البقاء اعتبارها ظرفا لما بعدها، كما جوز اعتبارها مصدرا، أي:

فهي مفعول مطلق، والمعتمد الأول، ثم الثاني. {أَهْلَكْنا:} فعل وفاعل، {مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بالفعل (قبلهما)، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنْ:} حرف جر صلة. {قَرْنٍ:} تمييز: {كَمْ} منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر

<<  <  ج: ص:  >  >>