وقال البيضاوي: أي ليس عليك حساب إيمانهم، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم انتهى بتصرف. ولو قلنا: معناه: لا تسأل عن أعمالهم، ولا يسألون عن عملك؛ لكان جيدا، ويكون مثل الآية الكريمة رقم [٢/ ١٤١] وهي: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ..}. إلخ وانظر {شَيْءٍ} في الآية رقم [٥/ ١٩]. {فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ} أي: إن فعلت ذلك، وحاشاه صلّى الله عليه وسلّم من الظلم، وانظر الآية رقم [١٤٧] الآتية.
تنبيه: روي: أن زعماء قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لو طردت هؤلاء الأعبد عن مجلسك-يعنون بذلك فقراء المسلمين وضعفاءهم كعمار وصهيب وبلال وخباب-جلسنا إليك، وحادثناك، فقال:
ما أنا بطارد المؤمنين، قالوا: فأقمهم عنا إذا جئناك. قال: نعم. وروي: أن عمر-رضي الله عنه- قال له: لو فعلت حتى تنظر إلى ماذا يصيرون، فدعا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب، فنزلت الآية الكريمة وما بعدها، وكذلك نزلت آية (الكهف): {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ..}. إلخ الآية رقم [٢٨] فكان عليه الصلاة والسّلام إذا أقبل عليه أحد من هؤلاء الفقراء؛ يقول:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ويرحب بهم، ويجلسهم إلى جانبه.
هذا؛ وقد قيل: إن الذين طلبوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم ما تقدم هم أجلاف العرب، وكان ذلك في المدينة المنورة، ويرده: أن سورة (الأنعام) مكية، وأن الحادثة وقعت في مكة. وانظر الآية رقم [٢٨] من سورة (نوح).
الإعراب:{وَلا:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (لا): ناهية جازمة. {تَطْرُدِ:}
{الَّذِينَ:} مفعول به، وجملة:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} صلة الموصول لا محل لها. {بِالْغَداةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. (العشي): معطوف على ما قبله، وجملة:{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط الضمير فقط، وجملة:{وَلا تَطْرُدِ} .. إلخ معطوفة على ما قبلها في الآية السابقة، أو هي مستأنفة لا محل لها على الوجهين. {ما:} نافية مهملة. {عَلَيْكَ:} متعلقان بمحذوف خبر تقدم على المبتدأ. {مِنْ حِسابِهِمْ:} متعلقان بالخبر المحذوف، أو متعلقان بمحذوف خبر ثان، فيكون من تعدد الخبر، وهو شبه جملة. هذا؛ وجوز اعتبارهما متعلقين بمحذوف حال من {شَيْءٍ} كان صفة له... إلخ، وكثير من النحاة لا يجيز مجيء الحال من المبتدأ. {مِنْ:} حرف جر صلة. {شَيْءٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة. هذا؛ واعتبار:{مِنْ حِسابِهِمْ} متعلقين بمحذوف حال من الضمير المستقر في الخبر المقدم المحذوف لا غبار عليه. هذا؛ وقد جوز اعتبار:{ما} نافية حجازية تقدم خبرها على اسمها والإعراب على حقيقته، كما جوز اعتبار:{مِنْ حِسابِهِمْ} متعلقين بمحذوف خبر مقدم، و {عَلَيْكَ} متعلقين بمحذوف حال من: {شَيْءٍ} كما في