للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«القول» في الآية رقم [٧/ ٤]. {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} أي: الذين يغيبون، والمعنى: لا أرغب في عبادة الأرباب الذين يتغيرون من حال إلى حال؛ لأن ذلك من صفات الأجسام الحادثة التي يطرأ عليها الزوال، والفناء.

تنبيه: اختلف المفسرون في بيان الوقت الذي جرى لإبراهيم-عليه السّلام-ما ذكر في هذه الآية، وما بعدها، فقيل: كان ذلك في سن مراهقته. وقيل: كان بعد بلوغه سن الرشد. وقيل:

كان بعد الأربعين من عمره، وهو السن الذي يمنح فيه الرسول الرسالة على الأغلب. كما اختلف في المعنى المراد من ذلك على الرأي الأخير الذي رجحه المحققون على وجوه:

الوجه الأول: أن إبراهيم-عليه السّلام-أراد أن يستدرج قومه بهذا القول، ويعرفهم جهلهم، وخطأهم في تعظيم النجوم، وعبادتها؛ لأنها تتغير من حال إلى حال، وما كان بهذه المثابة لا يستحق العبادة.

الوجه الثاني: أن إبراهيم-عليه السّلام-قال هذا القول على سبيل الاستفهام، والمعنى أيكون هذا ربّا؛ ودلائل النقص فيه ظاهرة؟

الوجه الثالث: أن إبراهيم-عليه السّلام-قال ذلك على وجه الاحتجاج على قومه، يقول:

هذا ربي بزعمكم، فلما غاب قال: لو كان إلها كما تزعمون؛ لما غاب.

الوجه الرابع: أن في هذه الآية إضمار يقولون، أي قال: يقولون هذا ربي.

الوجه الخامس: أن الله تعالى قال في حقه: {وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. ثم قال بعده: {فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} والفاء تقتضي التعقيب، فدل هذا على أن هذه الواقعة بعد أن أراه الله ملكوت السموات والأرض بعد الإيقان، ومن كان بهذه المنزلة الشريفة العالية لا يليق بحاله أن يعبد الكواكب، أو يتخذها ربّا. انتهى خازن باختصار، وبتصرف كبير.

أقول: الوجه الخامس هو بمنزلة البرهان والدليل على صحة الوجوه الأربعة، ولا سيما الوجهين الأولين. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

تنبيه: ذكر المفسرون: أن شأن إبراهيم في ولادته شبيه بشأن موسى-عليه السّلام-في ولادته، وأنه ربّي خفية عن النمرود الذي هو شبيه بفرعون بادعاء الألوهية، والربوبية. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢/ ٢٥٨] ففيه الكفاية.

الإعراب: {فَلَمّا:} الفاء: حرف عطف، أو حرف استئناف. (لما): انظر الآية رقم [٤٤].

وجملة: {جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} ابتدائية لا محل لها على القول بحرفية (لما)، وفي محل جر بإضافة (لما) إليها على القول بظرفيتها. {رَأى:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {إِبْراهِيمَ}. {كَوْكَباً:} مفعول به، والجملة الفعلية جواب (لما)، لا محل لها. وقيل:

هي في محل نصب حال، وهو ضعيف معنى وتركيبا؛ لأن الجملة الماضوية إذا وقعت حالا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>