للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهلككم، والخطاب لأهل مكة، ففيه وعيد، وتهديد لهم؛ لأن الآية مكية، كما قد عرفت، وقد بين الله مثله للمؤمنين في الآية رقم [٥/ ٥٤] وهي مدنية كما قد عرفت هناك. ويتجلى التهديد، والوعيد في الآية الأخيرة من سورة (محمد) عليه الصلاة والسّلام: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ}. {وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ} أي: ينشئ، ويخلق من بعد إهلاككم خلقا غيركم أمثل، وأطوع منكم. {كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} أي: كما أوجدكم من نسل قوم لم يكونوا على مثل صفتكم، بل كانوا طائعين، وهم أهل سفينة نوح، وذريتهم من بعدهم من القرون إلى زمنكم. هذا؛ وانظر شرح: (ربك) في الآية رقم [١] من سورة (الفاتحة) والآية رقم [٧/ ٢]. {الرَّحْمَةِ:} انظر الآية [٧/ ١٥٥]. {يَشَأْ:} انظر الآية رقم [٥/ ١٨]. {ذُرِّيَّةِ:}

هي نسل بني آدم، وهي تقع على الواحد، والجمع، قيل: هي مشتقة من الذرا، وهو بفتح الذال كل ما استذريت به، يقال: أنا في ظل فلان، وفي ذراه، أي: في كنفه، وستره، ودفئه، وهو بضم الذال: أعلى الشيء. وقيل: هي مشتقة من الذرء، وهو الخلق، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ،} وقال تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} من آية أخرى. أبدلت همزة الذرء ياء، ثم شدّدت الياء، وتبعتها الراء في التشديد. {قَوْمٍ:} انظر الآية رقم [٢٠] من سورة (المائدة).

الإعراب: {وَرَبُّكَ:} (ربك): مبتدأ. {الْغَنِيُّ:} خبر أول. {ذُو:} خبر ثان مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذُو:} مضاف، و {الرَّحْمَةِ:} مضاف إليه، وقيل: {الْغَنِيُّ ذُو} صفتان للمبتدإ، والخبر الجملة الشرطية الآتية، والأول أقوى. {إِنْ:}

حرف شرط جازم. {يَشَأْ:} مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (ربك)، والمفعول محذوف كما قد عرفته، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.

{يُذْهِبْكُمْ:} مضارع جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (ربك)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍: «إذا» الفجائية، و {إِنْ} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، أو هو في محل رفع خبر المبتدأ، كما رأيت، والجملة الاسمية: {وَرَبُّكَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. (يستخلف): مضارع معطوف على جواب الشرط مجزوم مثله، والفاعل يعود إلى (ربك) أيضا. هذا؛ ويجوز في العربية رفع (يستخلف) ونصبه، وانظر ما ذكرته من قراءات في الآية رقم [٢٨٣] (البقرة) وما تبعها من أوجه الإعراب. أما في هذه الآية لم أعثر على قراءة بغير الجزم. {مِنْ بَعْدِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة، {ما:} موصولة، أو موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: يشاؤه. {كَما:} الكاف:

حرف تشبيه وجر. (ما): مصدرية. {أَنْشَأَكُمْ:} ماض، والفاعل يعود إلى (ربك)، والكاف مفعول به. {مِنْ ذُرِّيَّةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجوز اعتبارهما متعلقين بمحذوف حال من كاف الخطاب، التقدير: «بدلا من ذرية...» إلخ، و {ذُرِّيَّةِ:} مضاف، و {قَوْمٍ:} مضاف إليه.

{آخَرِينَ:} صفة {قَوْمٍ} مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>