{شُحُومَهُما:} جمع: شحم، وهو شحم رقيق يغشى الكرش، والأمعاء. {إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما} أي: يستثنى من الشحوم ما علق بظهور البقر، والغنم. {الْحَوايا:} الأمعاء، جمع:
حاوية، أو حاوياء، والمراد: تحليل الشحم الذي يشتمل على الأمعاء. {مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ:}
المراد به: ألية الغنم، فإنه أحل لهم. والمراد بالعظم المختلط: عظم العصعص. {ذلِكَ:}
الإشارة إلى التحريم المذكور. {جَزَيْناهُمْ:} عاقبناهم به، وانظر الآية [١٢٠]. {بِبَغْيِهِمْ} أي:
بسبب ظلمهم، وخروجهم عن أوامر ربهم، فكانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي؛ عوقبوا بتحريم شيء مما أحل لهم، وهم ينكرون ذلك، ويدعون: أنها محرمة على الأمم قبلهم. وانظر الآية رقم [٤/ ١٦٠]. {وَإِنّا لَصادِقُونَ} أي: في الإخبار، والوعد، والوعيد. وفيه تعريض باليهود:
أنهم كاذبون فيما يقولون. وانظر (نا) في الآية رقم [٥/ ٣٢] أو [٦] من سورة (الأعراف).
بعد هذا فالبغي هو الظلم، والاعتداء على حق غيرك، وعواقبه ذميمة، ومال الباغي وخيم، وعقباه أليمة، ولو أن له جنودا بعدد الحصى، والرمل، والتراب، ورحم الله من يقول: [البسيط]
لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ، ولا تعن باغيا، ولا تنكث، ولا تعن ناكثا». وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ،} {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ،} و {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ}.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه-: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه، وتلا الآيات الثلاث، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «أسرع الخير ثوابا صلة الرّحم، وأعجل الشرّ عقابا البغي، واليمين الفاجرة». وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال: لو بغى جبل على جبل؛ لدك الباغي.
ورحم الله من يقول: [البسيط]
يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة... فاربع فخير مقال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل... لاندكّ منه أعاليه وأسفله
وكان المأمون العباسي يتمثل بهذين البيتين في أخيه الأمين، حين ابتدأ بالبغي عليه، قال الشاعر الحكيم: [مجزوء الكامل]
والبغي يصرع أهله... والظلم مرتعه وخيم
هذا؛ وانظر أنواع الظلم في رسالة: (الحج والحجاج في هذا الزمن).
الإعراب: {وَعَلَى الَّذِينَ:} متعلقان بالفعل {حَرَّمْنا} بعدهما، وجملة: {هادُوا} صلة الموصول لا محل لها. {حَرَّمْنا:} فعل، وفاعل. {كُلَّ:} مفعول به، وهو مضاف، و {ذِي:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة،