فيأمروكم بعبادة الأصنام، واتباع البدع، والأهواء الفاسدة. والضمير يعود ل:{ما أُنْزِلَ،}{قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} أي: تذكرا قليلا، أو زمانا قليلا تذكرون؛ حيث تتركون دين الله، وتتبعون غيره.
{رَبِّكُمْ:} المراد به خالقكم، ورازقكم. هذا؛ والرب يطلق، ويراد به المالك، والسيد، ومنه قوله تعالى:{اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ} وقوله جل شأنه: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} كلتا الآيتين محكية عن قول يوسف، عليه السّلام، كما يقال: رب الدار، ورب الأسرة، أي: مالكها، كما يراد به المربي، والمصالح، ويقال: ربّ فلان الضيعة يربها: إذا أصلحها، والله سبحانه وتعالى مالك العالمين، ومربيهم، وموصلهم إلى كمالهم شيئا فشيئا، يجعل النطفة علقة، ثم يجعل العلقة مضغة، ثم يجعل المضغة عظما، ثم يكسو العظم لحما، يصوره، ويجعل فيه الروح، ثم يخرجه خلقا آخر، وهو صغير ضعيف، فلا يزال ينميه، وينشيه؛ حتى يجعله رجلا. ولا يطلق الرب على غيره تعالى إلا مقيدا بالإضافة، مثل قولك: رب الدار، ورب الناقة، ونحو ذلك. والرب: المعبود بحق، وهو المراد منها تعالى عند الإطلاق، ولا يجمع إذا كان بهذا المعنى، ويجمع إذا كان معبودا بالباطل، قال تعالى حكاية عن قول يوسف-عليه الصلاة والسّلام-لصاحبي السجن:{أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ} كما يجمع إذا كان بأحد المعاني السابقة، قال الشاعر:[الطويل]
وهو اسم فاعل، أصله: رابب، ثم خفف بحذف الألف، وإدغام أحد المثلين في الآخر.
(دون): من الدنو، وهو القرب، ومنه تدوين الكتب؛ لأنه إدناء، أي: تقريب البعض من البعض، ثم استعير للرتب، فيقال: زيد دون عمرو، أي: في الشرف، والسيادة. ثم اتسع فيه، فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد. هذا؛ ويأتي «دون» بمعنى قدام، قال الشاعر:[الطويل]
تريك القذى من دونها وهي دونه... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق
هذا، ومثله:«أدنى» وألفه منقلبة عن واو؛ لأنه من: دنا يدنو: إذا قرب، وله معنيان:
أحدهما: أن يكون المعنى ما تقرب قيمته بخساسته، ويسهل تحصيله. والثاني أن يكون بمعنى القريب منكم لكونه في الدنيا، والذي هو خير ما كان من امتثال أمر الله؛ لأن نفعه متأخر إلى الآخرة، خذ قوله تعالى لليهود اللؤماء:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}. وقيل:
الألف مبدلة من همزة؛ لأنه مأخوذ من: دنؤ، يدنؤ، فهو دنيء، والمصدر: الدناءة، وهو من الشيء الخسيس، فأبدل الهمزة ألفا. وقيل: أصله: أدون، من الشيء الدون، فأخرت الواو، فانقلبت ألفا، فوزنه الآن: أفلع. انتهى. عكبري. {أَوْلِياءَ:} جمع: ولي، وهو الذي يتولى شئون غيره. هذا؛ والولي أيضا هو الذي يتحبب إلى الله بعبادته، وطاعته. هذا؛ ويأتي الولي بمعنى المعين، والمساعد، والنصير. والفرق بين الولي وبين ما ذكر: أن الولي قد يضعف عن النصرة، والمعاونة، والنصير قد يكون أجنبيّا عن المنصور، والمعان، والمساعد، فبينهما عموم وخصوص من وجه. هذا؛ ويقرأ «تذكرون» بالتاء، والياء.