للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموعظة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} كما تطلق على جملتين، أو أكثر من كلام الله تعالى. {يَظْلِمُونَ:} يجحدون آيات الله، وينكرونها. وانظر الظلم بمعناه الأصلي في الآية رقم [١٤٦] من سورة (الأنعام).

{أَنْفُسَهُمْ:} جمع: نفس، وهو جمع قلة، وجمع الكثرة: نفوس، والنفس تؤنث باعتبار الروح، وتذكر باعتبار الشخص، أي: فإنها تطلق على الذات أيضا، سواء أكان ذكرا، أم أنثى.

فعلى الأول قيل: إنها جسم لطيف مشتبك بالجسم اشتباك الماء بالعود الرطب، فتكون سارية في جميع البدن. وقال الجنيد-رحمه الله تعالى-الروح: شيء استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا يجوز البحث عنه بأكثر من أنه موجود، قال تعالى في سورة (الإسراء):

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً}.

وقال بعضهم: إن هناك لطيفة ربانية، لا يعلمها إلا الله تعالى، فمن حيث تفكرها تسمى عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمى روحا، ومن حيث شهوتها تسمى نفسا، فالثلاثة متحدة بالذات مختلفة بالاعتبار.

هذا؛ وقد ذكر القرآن الكريم: أن النفس خمس مراتب: الأمارة بالسوء، واللوامة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، فالنفس الأمارة هي التي تأمر صاحبها بالسوء، ولا تأمر بالخير، إلا نادرا، وهي مقهورة، ومحكومة للشهوات. وإن سكنت لأداء الواجبات الإلهية، وأذعنت لاتباع الحق، لكن بقي فيها ميل للشهوات؛ سميت لوامة. وإن زال هذا الميل، وقويت على معارضة الشهوات، وزاد ميلها إلى عالم القدس، وتلقت الإلهامات؛ سميت ملهمة. فإن سكن اضطرابها، ولم يبق للنفس الشهوانية حكم أصلا؛ سميت مطمئنة. فإن ترقت من هذا، وأسقطت المقامات من عينها، وفنيت عن جميع مراداتها سميت راضية. فإن زاد هذا الحال عليها؛ صارت مرضية عند الحق، وعند الخلق، فإن أمرت بالرجوع إلى العباد لإرشادهم وتكميلهم سميت كاملة. فالنفس سبع طبقات، ولها سبع درجات، كما ذكرت وقدمت، وانظر (نا) في الآية رقم [٧].

الإعراب: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ..}. إلخ: انظر إعراب هذا الكلام في الآية السابقة.

{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ. {خَسِرُوا:} فعل، وفاعل، وانظر إعراب: {قالُوا} في الآية رقم [٥]. {أَنْفُسَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة {بِما} الباء: حرف جر. (ما): مصدرية. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {بِآياتِنا:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {يَظْلِمُونَ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، و (ما) المصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: {خَسِرُوا،} والجملة الفعلية هذه صلة الموصول لا محل لها وتقدير الكلام: «خسروا أنفسهم بسبب ظلمهم وجحودهم لآيات الله تعالى» تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>