للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال: تريش الرجل: إذا تمول. هذا؛ وقد قيل: إن المراد به الأثاث الذي يفرش في البيوت، ويتزين به. ولا بأس به. وخذ قول جرير في مدح هشام بن عبد الملك: [الوافر]

فريشي منكم، وهواي معكم... وإن كانت زيارتكم لماما

أي: فلباسي الفاخر، أو مالي الكثير. {وَلِباسُ التَّقْوى:} قال الخازن: اختلف العلماء في معناه، فمنهم من حمله على نفس الملبوس، وحقيقته، ومنهم من حمله على المجاز. أما من حمله على نفس الملبوس؛ فاختلفوا أيضا في معناه، فقال ابن الأنباري: هو اللباس الأول، وإنما أعاده إخبارا: أن ستر العورة من التقوى. وقال زيد بن علي: هو آلات الحروب كالدرع، والمغفر.

وقيل: هو الصوف، والخشن من الثياب؛ التي يلبسها أهل الزهد، والورع. وقيل: هو ستر العورة في الصلاة. وأيضا اختلف في معناه من حمله على المجاز، فقال قتادة، والسدي: هو الإيمان؛ لأن صاحبه يتقي به من النار، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هو العمل الصالح، وقال الحسن: هو الحياء، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: هو السمت الحسن. وقال عروة بن الزبير: هو خشية الله. وقال الكلبي: هو العفاف. فعلى هذه الأقوال: إن لباس التقوى خير لصاحبه، إذا أخذ به مما خلق الله من لباس التجمل، وزينة الدنيا، وأنشدوا في المعنى: [الطويل]

إذا أنت لم تلبس ثيابا من التّقى... عريت وإن وارى القميص قميص

انتهى. بتصرف كبير. بعد هذا: فالتقوى: هي حفظ النفس من العذاب الأخروي، بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ لأن أصل المادة من: الوقاية، وهي الحفظ، والتحرز من المهالك في الدنيا، والآخرة. وانظر ما وصف الله به المتقين في أول سورة (البقرة). {خَيْرٌ:} انظر الآية رقم [١٢]. {ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ:} يعني خلق اللباس الذي تسترون به عوراتكم، وتتقون به أذى الحر والبرد، وغير ذلك مما ذكر، كل ذلك دليل على قدرة الله، وداع إلى معرفته وعبادته.

{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ:} لعلهم يذكرون نعمة الله عليهم، فيشكرونها. والترجي في هذه الآية، وأمثالها، إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترج، ورجاء لشيء من عباده. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا!.

الإعراب: {يا بَنِي:} (يا): حرف نداء ينوب مناب: «أدعو». (بني): منادى منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و (بني) مضاف، و {آدَمَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَنْزَلْنا:} فعل، وفاعل، وانظر إعراب: {وَجَعَلْنا} في الآية رقم [١٠]. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {لِباساً:} مفعول به. {يُوارِي:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى: {لِباساً}. {سَوْآتِكُمْ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن

<<  <  ج: ص:  >  >>