للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: نزلت الآية الكريمة في أمرين: الأول كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالكعبة عريانة، فتقول: من يعيرني تطوافا؟ أي: شيئا تجعله على فرجها، وهي تقول: [الرجز]

اليوم يبدو بعضه أو كلّه... وما بدا منه فلا أحلّه

فأمر الله بني آدم عامة بلبس الثياب، والتجمل بها في كل مسجد دخلوه. وتقدم: أن ستر العورة واجب في غير الصلاة أيضا. والأمر الثاني: كان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما، يعظمون بذلك حجهم، فهمّ المسلمون بذلك، فأمرهم الله بالأكل الذي يقيم أودهم، ويحفظ صحتهم.

تنبيه: الإسراف: مجاوزة الحد، وهو مذموم في كل شيء، والمراد هنا: النهي عنه في الأكل، والشرب. والإسراف فيهما يكون بأحد أمرين.

الأول: المغالاة في ثمنهما. والثاني: المغالاة في تعاطيهما. فالأول أن يكلف العبد نفسه ما لا طاقة له به ماليّا؛ حيث لا يأكل إلا الطعام الفاخر؛ ووضعه المالي لا يتحمل هذا. ويدخل في ذلك المغالاة في اللباس الفاخر.

والأمر الثاني: يراد به التضلع في الطعام، والشراب. وهذا فوق: أنه إسراف في المال مضر بالصحة، والبدن، وقد أرشدنا الرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم، إلى الاعتدال في الأكل، والشراب، وفي ذلك ما يغني عن كلام الأطباء، بل ولا يحوج إلى الوقوف عليهم، فقال عليه الصلاة والسّلام: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلاث لطعامه، وثلاث لشرابه، وثلاث لنفسه». أخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معديكرب.

قال علماؤنا: لو سمع بقراط هذه القسمة؛ لعجب من هذه الحكمة. ويذكر: أنه كان للرشيد طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان! فقال له علي: قد جمع الطب كله في نصف آية من كتابنا، فقال له: ما هي؟ قال قوله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} فقال النصراني:

ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب، فقال علي: جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطب في ألفاظ يسيرة، قال: ما هي؟ قال: «المعدة بيت الأدواء، والحمية رأس كلّ دواء، وأعط كلّ جسد ما عوّدته».

فقال النصراني: ما ترك كتابكم، ولا نبيكم لجالينوس طبّا! وقال عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-: كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف، ومخيلة.

{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} يعني: إن الله لا يحب من أسرف في المأكول، والمشروب، والملبوس. وفي هذه الآية وعيد شديد لمن أسرف في هذه الأشياء؛ لأن محبة الله تعالى عبارة

<<  <  ج: ص:  >  >>