للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الجمع: أنها كانت في العظم كالثعبان العظيم، وفي خفة الحركة، كالحية الصغيرة، وهي الجان. {مُبِينٌ:} ظاهر واضح لمن يراه. وانظر إعلاله في الآية رقم [٢٢].

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما ألقى موسى عصاه؛ صارت حية عظيمة، صفراء، شقراء، فاتحة فمها، بين لحييها ثمانون ذراعا، وارتفعت من الأرض بقدر ميل، وقامت على ذنبها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض، والأعلى على سور القصر، وتوجهت نحو فرعون لتأخذه، فوثب هاربا، وأحدث، أي: تغوط في ثيابه بحضرة قومه في ذلك اليوم مرات عديدة، واستمر معه هذا المرض، وهو الإسهال حتى غرق، وقد انهزم الناس خوفا مزدحمين، وقتل بعضهم بعضا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، ودخل فرعون قصره، وصاح: يا موسى! أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها، وأنا أؤمن بك، وأرسل معك بني إسرائيل! فأمسكها بيده، فعادت عصا كما كانت. انتهى. خازن، وغيره.

هذا؛ والعصا كانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى، ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نورا، حملها آدم معه من الجنة، فتوارثها الأنبياء؛ حتى وصلت إلى شعيب عليه السّلام، فأعطاها لموسى حين لجأ إليه، وزوّجه إحدى ابنتيه، وأسند إليه رعاية الغنم.

هذا؛ والعصا تطلق على أمور، يقال: ألقى عصاه، أي: أقام، وترك الأسفار، وهو مثل عربي. ويقال: انشقت العصا. أي: وقع الخلاف بين القوم، قال الشاعر: [الطويل]

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا... فحسبك والضّحّاك سيف مهند

وهذا هو الشاهد [٩٦٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، انظر إعرابه هناك، فإنه جيد، ويقال في الخوارج: قد شقوا عصا المسلمين، أي: اجتماعهم، وائتلافهم، والعصيان: ضد الطاعة، وتجمع العصا على «عصي» بضم العين، وكسرها، وتشديد الياء، قال تعالى: {فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى}. ومقتضى القياس أن يقال في جمعها: عصوّ؛ لأن ألفها منقلبة عن واو، ولذا يقال في تثنيتها: عصوان، فأبدل من الواو الثانية ياء؛ لأنها طرف، ليس بينها وبين الضمة إلا حرف ساكن، فصار (عصوي) فاجتمعت الواو، والياء، والأول ساكن، فقلبت الواو الأولى ياء، ثم أدغمت الياء في الياء، ثم قلبت ضمة الصاد كسرة لتصح الياء، ثم تبعت حركة العين حركة الصاد. وانظر الآية رقم [١٨] من سورة (طه).

الإعراب: {فَأَلْقى:} (ألقى): ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى موسى. {عَصاهُ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء في محل جر بالإضافة. {فَإِذا:} الفاء: حرف عطف دال على التعقيب، كما ترى. (إذا): للمفاجأة هنا، وهي تختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج لجواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال

<<  <  ج: ص:  >  >>