وجوده بالفعل بصفات التكليف من حيث نصب الأدلة الدالة على الربوبية لله المقتضية لأن ينطق، ويقر بمقتضاها بأخذ الميثاق عليه بالفعل، بالإقرار بما ذكر، فنصب الأدلة بالفعل إنما هو على طريقة الخلف.
تنبيه: يروى: أن عمر-رضي الله عنه-سئل عن هذه الآية، فقال: سئل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«إنّ الله-تبارك وتعالى-خلق آدم، ثمّ مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذريّة، فقال:
خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرّيّة، فقال:
خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون». فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة؛ حتّى يموت على عمل من أعمال الجنة، فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله النار». أخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. انتهى قرطبي وخازن.
فائدة: قال ابن العربي: فإن قيل: فكيف يجوز أن يعذب الخلق، وهم لم يذنبوا، أو يعاقبهم على ما أراده منهم، وكتبه عليهم، وساقهم إليه؟! قلنا: ومن أين يمتنع ذلك أعقلا، أم شرعا؟ فإن قيل: إن الرحيم الحكيم منا لا يجوز أن يفعل ذلك، قلنا: لأن فوقه آمرا يأمره، وناهيا ينهاه، وربنا تعالى لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، ولا يجوز أن يقاس الخلق بالخالق، ولا تحمل أفعال العباد على أفعال الإله، وبالحقيقة الأفعال كلها لله جل جلاله، والخلق بأجمعهم له، صرفهم كيف شاء، وحكم بينهم بما أراد، وهذا الذي يجده الآدمي إنما تبعث عليه رقة الجبلّة وشفقة الجنسيّة، وحب الثناء، والمدح، لما يتوقع في ذلك من الانتفاع، والباري تعالى مقدّس عن ذلك كله، فلا يجوز أن يعتبر به. انتهى قرطبي.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف عطف. (إذ): معطوفة على مثلها في الآية رقم [١٦٧] وإعرابها مثلها. {أَخَذَ رَبُّكَ:} فعل، وفاعل، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذ) إليها. {مِنْ بَنِي:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {بَنِي:} مضاف، و {آدَمَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {مِنْ ظُهُورِهِمْ:} بدل مما قبلهما بدل بعض، وقيل بدل اشتمال. {ذُرِّيَّتَهُمْ:}
مفعول به والهاء في محل جر بالإضافة، والميم علامة جمع الذكور. (أشهدهم): ماض، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى:{رَبُّكَ،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {عَلى أَنْفُسِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَلَسْتُ:}
الهمزة: حرف استفهام، وتقرير. (لست): ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه.