فقصّرت بالممدود عن نيل المنى... ومدّدت بالمقصور في أكفاني
وقال أبو عبيدة: لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر؛ لأنه لا يقال: فلان يهوى الخير، بل يقال: فلان يحب الخير، ويريده. هذا؛ وجمعه: أهواء، وجمع الممدود: أهوية. {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ:} فصفته كصفة الكلب في أخس أحواله، وتشبيه بلعام بالكلب حاصل حينما دعا على موسى، عليه السّلام، أو على يوشع، فخرج لسانه، فوقع على صدره، وجعل يلهث كالكلب. وانظر: {مَثَلُ} في الآية رقم [٦/ ٩٣]. {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} أي: يلهث في جميع أحواله: زجرته، أم لم تزجره.
قال القتيبي: كل شيء يلهث، فإنما يلهث من إعياء، أو عطش، إلا الكلب؛ فإنه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة، وحال المرض، وحال الصحة، وحال الري، وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل، وإن تركته ضل، فهو كالكلب، إن تركته لهث، وإن طردته لهث. وانظر الآية الآتية برقم [١٩٣]. وإنما يلهث الكلب دائما لضعف فؤاده.
{ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} أي: إن المثل الذي ضرب الله لبلعام ينطبق على كل كافر مكذب لآيات الله، وجاحد لها، فوجه التمثيل بين المكذبين وبين الكلب اللاهث، أنهم إذا وعظوا لا يتعظون، وإذا تركوا فهم لا يهتدون، بل هم في ضلال في كل حال. وانظر شرح:
{الْقَوْمِ} في الآية رقم [٣١] وشرح (الآيات) في الآية رقم [٩]. {فَاقْصُصِ..}. إلخ: هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يقص على اليهود وعلى قومه أخبار من كفر بآيات الله لعلهم يتعظون فينتفعون بما تقص عليهم. هذا؛ و {الْقَصَصَ} مصدر قولهم: قص فلان الحديث يقصه قصّا وقصصا، وأصله:
تتبع الأثر، يقال: خرج فلان يقص أثر فلان، أي يتتبعه ليعرف أين يذهب، ومنه قوله تعالى:
{وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي: اتبعي أثره. وانظر الترجي في الآية رقم [١٧١].
تنبيه: قال الخازن: وهذه الآية من أشد الآيات على العلماء الذين يريدون بعلمهم الدنيا، ويتبعون الهوى، وذلك لأن الله عز وجل خص هذا الرجل بآياته، وحكمته، وعلّمه الاسم الأعظم، وجعل دعاءه مستجابا، ثم إنه لما اتبع هواه، وركن إلى الدنيا؛ نزع منه ما كان أعطيه، وانسلخ من الدين، فخسر الدنيا والآخرة.
عن كعب بن مالك الأنصاري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال، والسّرف لدينه». أخرجه الترمذي.
الإعراب: {وَلَوْ:} الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
{شِئْنا:} فعل، وفاعل، ومفعوله محذوف، التقدير: شئنا له الخير، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَرَفَعْناهُ:} فعل، وفاعل ومفعول به، واللام واقعة في جواب (لو)، والجملة الفعلية جواب (لو) لا محل لها. {بِها:} جار ومجرور