أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ لأن أصل المادة من الوقاية، وهي الحفظ والتحرز من المهالك في الدنيا والآخرة، وانظر ما وصف الله به المتقين في أول سورة البقرة، هذا وأصل اتقوا:(اتّقيوا) فحذفت الضمة التي على الياء للثقل، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم قلبت كسرة القاف ضمة لمناسبة واو الجماعة.
{ذاتَ}: مؤنث ذو، الذي هو بمعنى صاحب، وقد يثنى على لفظه، فيقال: ذاتا، أو ذاتي كذا، من غير رد لام الكلمة، وهو القياس، كما يثنى ذو بذوا، أو ذوي على لفظه، ويجوز فيها (ذواتا) على الأصل برد لام الكلمة، وهي الياء ألفا لتحرك العين، وهو الواو قبلها، وهو الكثير في الاستعمال، قال تعالى {ذَواتا أَفْنانٍ} وقال {ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} وانظر الآية رقم [١١٩] من آل عمران تجد ما يسرك. ومعنى {وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} الحال التي بينكم أصلحوها بالمودة وترك النزاع، والمواساة والمساعدة فيما رزقكم، وتسليم الأمر لله ورسوله، هذا و «البين» يطلق على الوصال، والفراق، والبعاد، كما رأيت في الآية رقم [٩٤] الأنعام. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: انظر الإيمان في الآية رقم [١] الأعراف. هذا؛ و «السؤال» في هذه الآية سؤال استفتاء: لأن هذا أول تشريع الغنيمة، و «سأل» تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسئول، فيتعدى بعن، كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال، ونحوه، فيتعدى لاثنين، نحو سألت زيدا مالا.
تنبيه: سبب نزول الآية الكريمة وما بعدها اختلاف المسلمين في غنائم بدر: أنها كيف تقسم؟ ومن يقسم له: المهاجرون، أو الأنصار؟ وقيل: شرط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن كان له عناء أن ينفله، فتسارع شبانهم إلى القتال حتى قتلوا سبعين رجلا من المشركين، وأسروا سبعين منهم، ثم طلبوا ما شرط لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم من العطية، وكان المال المكتسب من المشركين قليلا، فقال الشيوخ، والوجوه الذين كانوا عند الرايات مرابطين: إنا كنا ردءا لكم، وفئة تنحازون إليها، فنزلت الآية الكريمة، فبينت: أن الغنائم لله ورسوله يجعلانها حيث شاءا، والله قد وكل إلى نبيه أمر تقسيمها، فهو يمتثل أمر الله فيها، فقسمها بينهم على السواء، وانظر الآية رقم [٤٢] الآتية، فإنها ناسخة لحكم هذه الآية، وهذه الآية ناسخة لشرع من كان قبلنا؛ حيث كانت الغنائم محرمة عليهم، إذا هذه الآية ناسخة من وجه، ومنسوخة من وجه. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الإعراب:{يَسْئَلُونَكَ}: فعل وفاعل ومفعول به، وفاعل السؤال يعود إلى معلوم، وهو من حضر بدرا. {عَنِ الْأَنْفالِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، وهما المفعول الثاني، وقيل:{عَنِ} صلة، والأنفال مجرور لفظا، منصوب محلا، وأيد بقراءة سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعلي بن الحسين وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين «(يسألونك الأنفال)» بدون عن، والصحيح أن هذه القراءة على إرادة حرف الجر. انتهى. جمل، نقلا عن السمين، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها. {قُلِ}: فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت». {الْأَنْفالِ}: مبتدأ.